في تعاقب الليل والنهار ودوران الزمن نعمة وعبرة فأما النعمة فجاء ذكرها في قوله تعالى: {الله الذي جعل لكم الليل لتسكنوا فيه والنهار مُبصرًا إن الله لذو فضل على الناس ولكن أكثر الناس لا يشكرون}. وأما العبرة فجاء ذكرها في قوله تعالى: {إن في خلق السماوات والأرض واختلاف الليل والنهار لآيات لأولي الألباب الذين يذكرون الله قيامًا وقعودًا وعلى جنوبهم ويتفكرون في خلق السماوات والأرض ربنا ما خلقت هذا باطلاً سبحانك فقنا عذاب النار}.إن عجلة الزمن تدور، وقطار العمر يمضي، وأيام الحياة تمر، فمن منا يتأمل في ذلك جيدًا، ويعتبر بما يجري، فالاعتبار مطلب شرعي.إن العقلاء والحكماء من الناس ليتبصرون في مضي الدقائق والساعات والليالي والأيام، ويعتبرون بما فيها من مواعظ وأحداث وفوات، فيقررون استغلالها فيما ينفعهم، فإن كل ماضٍ قد يُسترجع إلا العمر المنصرم، فإنه نقص في العمر، ودنٌّو في الأجل.في إقبال عام وإدبار آخر فرح وحزن، فنفرح بما عملنا في العام الماضي من خيرات وما سابقنا فيه من صالحات وما زرعنا فيه من حسنات نرجو ثوابها من الله الكريم المنان. ويقابل ذلك أننا نحزن على تفريطنا في اكتساب المزيد من الحسنات والوقوع في بعض المحرمات والمكروهات. وكل هذه المشاعر تقودنا إلى صدق التوجه إلى الله تعالى بتوبة نصوحٍ صادقة وسلوك الصراط المستقيم والانضمام إلى ركب المتقين الصادقين، يخالط هذا وذاك اعتبار وتفكر في صروف الدهر وتقلب الليالي والأيام ومضي الأقدار بما كان ومباغتة المنايا للإنسان.فها نحن نودع عامًا ميلاديا قد مضى، ونستقبل عامًا ميلاديا جديدا، لقد عَفَت سنة من عمرِ كلِ واحد منا، ودنونا من آجالنا التي كتبها الله لنا، أفلا يجدر بكل منا أن يقف وقفة تأملٍ، نحاسب فيها أنفسنا ونراجع رصيدنا كما نفعل في الأمور الاقتصادية، ونخطط لأنفسنا برنامجا نافعا مفيدا لنا ولأسرتنا ومجتمعنا وأمتنا..عام جديد، لا نعلم ما يحويه بين طياته من خير وشر، وإن مما حذرنا منه نبينا محمد صلى الله عليه وسلم بقوله: “لا يأتي عليكم زمان إلا والذي بعده شر منه حتى تلقوا ربكم”.علينا أن ننتبه من غفلتنا وأن نستيقظ من غينا وأن نقف وقفة صدق مع أنفسنا، فإن في قوارع الدهر عبر وفي حوادث الأيام مزدجر، وهذه الدنيا إنما هي دار ممر والآخرة خير وأبقى، يقول النبي صلى الله عليه وسلم: “إن الدنيا حلوة خضرة، وإن الله تعالى مستخلفكم فيها فينظر كيف تعملون، فاتقوا الدنيا، واتقوا النساء”.عام كامل مضى من أيام أعمارنا وذهب من سنين آجالنا، كم فيه من أوقات أهدرت وصلوات ضيعت وواجبات تركت ومعاص ارتكبت، ونحن تُفرحنا الأيام إذا مضت وانقضت لأننا مددنا الآجال، وسوفنا الأعمال، وبالغنا في الإهمال، يقول عبد الله بن مسعود رضي الله عنه: (ما ندِمتُ على شيء ندمي على يوم غربت شمسُه نقص فيه عُمري ولم يزد فيه عملي)، ويقول بعض السلف: “من أمضى يومًا من عمره في غير حقٍّ قضاه أو فرضٍ أدَّاه أو مجد أثَّلَه أو حمدٍ حصَّلَه أو خيرٍ أسَّسَه أو علمٍ اقتَبَسَه فقد عقَّ يومَه وظلمَ نفسَه”.إن العمر يمضي، والوقت هو رأس مال المسلم، وهو يمضي بسرعة ولا يتوقف ولا يعود، فمن ضيعه كان من الأشقياء المفلسين الخاسرين، ومن ملأه بالعمل الصالح كان من السعداء المفلحين.ما أجمل ونحن في بداية هذا العام أن نتفاءل بالخير، ونستبشر بأن قادم الأيام أفضل، وأن ننطلق بروحٍ جديدة، روح التفاؤل والتحدي، عن عائشة رضي الله عنها قالت: “كان يعجبه عليه الصلاة والسلام الفأل الحسن ويكره الطيرة”، بل ذهب عليه الصلاة والسلام إلى أبعد من ذلك فقال كما في حديث أبي هريرة: “إذا قال هلك الناس فهو أهلكهم”. لقد كان صلى الله عليه وسلم يستصحب التفاؤل في كل أحواله، ويستشرف المستقبل جيدًا بروح طموحة متفائلة، كارهًا للتشاؤم، ناظرًا لقادم الأيام بنظرة ثاقبة.مع بداية عام جديد يحسن التذكير في أن يكون لنا منهج رشيد وخطوات مدروسة فيما يتعين علينا فعله ونحن نستقبل هذا العام الجديد، فاستقبال الأمة لعام جديد هو بمجرده قضية لا يستهان بها، وإن بدا في أنظار بعض المفتونين أمرًا هينًا.ينبغي على المسلم أن يجدد في إيمانه، في صلته بربه، أن يغير في طريقة حياته وأعماله ونشاطاته المختلفة، حتى تجري دماء التجديد في جسمه، يتخذ لنفسه برنامجًا جديدًا حافلًا. ثم لابد من العزيمة الصادقة على استغلال أيام العام الجديد ولياليه في فعل الخير ونفع الناس، والمحافظة على الصلوات المكتوبات، وأداء الزكاة، والإحسان إلى القريب والجار، وصلة الأرحام، وإطعام الطعام، والصلاة بالليل والناس نيام.
مقال مؤرشف
هذا المقال مؤرشف, يتوجب عليك الإشتراك بخطة الممتاز+ لتتمكن من الإطلاع على المقالات المؤرشفة.
تسجيل الدخول باقة الاشتراكات