أخرج الإمام البخاري في صحيحه من حديث جابر رضي الله عنه قال: لما نزلت: {قل هو القادر على أن يبعث عليكم عذابا من فوقكم}، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “أعوذ بوجهك” قال: {أو من تحت أرجلكم}، قال: أعوذ بوجهك، {أو يلبسكم شيعًا ويذيق بعضكم بأس بعض}، قال صلى الله عليه وسلم: “هذا أهون أو هذا أيسر”.الشاهد من الحديث استعاذته عليه الصلاة والسلام مما قد يتعرض له العبد من كوارث طبيعية؛ إما نازلة من السماء كالصواعق، أو من تحت الأرض كالزلازل، وهو ما حدث في بحر الأسبوع الماضي في بعض المناطق من بلادنا. والزلزال ما هو إلا جندي من جنود الله، وعذاب من عذاب الله، يسلطه على من يشاء، لا يستطيع المخلوق الضعيف أن يقف أمامه مهما بلغت قوته، فعندما تتحرك الأرض بصوتها المخيف ودويِّها الرهيب، وتتساقط الجدران وسقف الأبنية، ويصبح أعلى الأرض أسفلها، في تلك اللحظة يشعر الإنسان بجلال الله وعظمته وجبروته، فيمتلئ قلبه خوفًا من ربه، وخضوعًا وإخباتًا إليه، ومحبة ورجاء لما عنده، وطاعة له.وإن مما يؤسف له ويدعو إلى العجب، ما درجت عليه أكثر من وسيلة إعلام من إظهار هذه الكوارث على أنها ظواهر طبيعية، وأن سببها مجرد تصدع في باطن الأرض ضعفت القشرة عن تحمله، ونحن نقول لهؤلاء: هذا كلام صحيح، لكن قولوا لنا من الذي قدر لهذا الصدع أن يحدث؟ ومن الذي أضعف قشرة الأرض أن تتحمله؟ أليس هو الله؟ وهو سبحانه أخبر عن نفسه أنه يفعل ذلك بسبب ذنوب ومعاصي بني آدم، ومن أصدق من الله حديثًا، وما أشبه حال هؤلاء المكابرين بحال من ذكرهم الله سبحانه عندما أصابهم الكرب والضر: {وقالوا: قد مس آباءنا الضراء والسراء}، فهذا أمر طبيعي لا علاقة له بذنوب العباد، فيواصلون في إعراضهم وفجورهم ويقولون: {إن هذا إلا خلق الأولين}.وإن من تقدير الله تعالى الحكيم الخبير أن حجب العلم بوقت قيام الساعة عن جميع خلقه، واختص به في علمه، وجعله من غيبه: {يسألونك عن الساعة أيان مرساها قل إنما علمها عند ربِي لا يجليها لوقتها إلا هو}، غير أن النبي صلى الله عليه وسلم أخبر بما جاءه من ربه عن أماراتها وأشراطها، وكان مما أخبر به من أشراط الساعة كثرة الزلازل، ففي الصحيح عنه عليه الصلاة والسلام قال: “لا تقوم الساعة حتى يقبض العلم، وتكثر الزلازل، ويتقارب الزمان، وتظهر الفتن، ويكثر الهرج، وهو القتل القتل”.إن بعض الناعقين القاصرين في مجال العقل والدين، يعترض أحدهم أن تكون هذه الكوارث من آثار الذنوب، يقول أحدهم ملبسًا الحق بالباطل: كيف تقولون: إن الأعاصير والزلازل عقوبة إلهية؟ وما ذنب فلان من الناس أو شعب من الشعوب لكي يحل به هذا الدمار؟ سبحان الله، ما أشد حماقة القوم، ألم يطلعوا على مثل قول الله سبحانه: {وما أصابكم من مصيبة فبما كسبت أيديكم ويعفو عن كثير}.إن الزلازل وغيرها من الصواعق والأعاصير قد يقدرها الله عقوبة لمن كفر به وجحد، كطوفان قوم نوح، وريح قوم هود، وصاعقة قوم صالح، وغرق فرعون وقومه، وخسف قارون. فالله سبحانه يبتلي عباده لتستيقظ النفوس الغافلة، وتلين القلوب القاسية، وتدمع العيون الجامدة. يقول ابن القيم رحمه الله: “وقد يأذن الله سبحانه للأرض في بعض الأحيان بالتنفس، فتحدث فيها الزلازل العظام، فيحدث من ذلك لعباده الخوف والخشية، والإنابة والإقلاع عن المعاصي والتضرع إلى الله سبحانه والندم”. وقد يقدر الله هذه الكوارث لتطهير المؤمنين الصابرين الصادقين من الذنوب ومضاعفة ثوابهم: {ولنبلونكم بشيء من الخوف والجوع ونقصٍ من الأموال والأنفس والثمرات وبشر الصابرين، الذين إذا أصابتهم مصيبة قالوا إنا لله وإنا إليه راجعون}، والله ولي التوفيق.*إمام وأستاذ بجامعة العلوم الإسلامية - الجزائر1
مقال مؤرشف
هذا المقال مؤرشف, يتوجب عليك الإشتراك بخطة الممتاز+ لتتمكن من الإطلاع على المقالات المؤرشفة.
تسجيل الدخول باقة الاشتراكات