يروي الشيخان في صحيحيهما من حديث أمِّنا عائشة رضي الله عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «إن الله رفيق يحب الرفق، ويعطي على الرفق ما لا يعطي على العنف، وما لا يعطي على ما سواه». قال الإمام النووي: فيه تصريح بتسميته سبحانه وتعالى ووصفه بالرفيق.ومعنى الرِّفق: لين الجانب قولا وفعلا، وهو ضد العنف، ويأتي الرفق بمعنى التمهل في الأمور والتأني فيها، فربنا سبحانه رفيق بنا في أفعاله وشرعه، ومن تأمَّل ما احتوى عليه شرعه من الرفق واليسر علم أهمية الرفق في حياة المسلم، وشرع ربنا الأحكام شيئا بعد شيء رفقا بالمكلفين، وهو تعالى يحب من عباده أهل الرفق، ويعطي على الرفق ما لا يعطي على العنف، وفي الصحيح: «إن الله رفيق يحب الرفق في الأمر كله»، والرفق لا ينافي الحزم، فتارة يكون لا بد منه.وأمر المولى سبحانه نبيه صلى الله عليه وسلم بلين الجانب والرفق بالخلق فقال:{فَبِمَا رَحْمَةٍ مِّنَ الله لِنتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لاَنفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ}، وعند مسلم: «يا عائشة: إن الله رفيق يحب الرفق، ويعطي على الرفق ما لا يعطي على العنف، وما لا يعطي على ما سواه». والرفق من أفضل الأخلاق وأجلها، وأعظمها قدرا، فلا يكون في شيء إلا زيَّنه وجمله وحسنه، ولا ينزع من شيء إلا شانه وعابه وقبَّحه.ومن أعطاه الله الرفق فقد أوتي خيرا كثيرا، من الثناء الحسن والتوفيق، وصلاح البال، وطمأنينة النفس، ونيل المطالب، وتحقيق المآرب، وفي الآخرة أجر عظيم، وثواب جزيل، ذلك بأن المتأني الذي يأتي الأمور بسكينة ورفق، اتباعا لسنن الله في كونه، وإتباعا لسنة نبيه، فإن من كان هذا شأنه تيسرت أموره، ومن كان آمرا للناس ومرشدا، فإنه لا بد من الرفق واللين بهم.وكذلك من آذاه الخلق بالأقوال القبيحة والأفعال المشينة عليه أن يصون لسانه عن مشاتمتهم، ويدافع عن نفسه برفق ولين، فإن ذلك من شأنه أن يدفع عنه مِن أذاهم ما لا يندفع بمقابلتهم بمثل مقالهم وفِعلهم، فبذلك يكسب الراحة والطمأنينة، والرزانة والحلم.ودخول الرفق على أهل بيت علامةُ خير، ففي مسند الإمام أحمد من حديث عائشة رضي الله عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:« يا عائشة ارفقي، فإن الله إذا أراد بأهل بيت خيرا، دلهم على باب الرفق»، وكان عليه السلام من أكثر الناس رفقا بأصحابه، ففي الصحيح من حديث مالك بن الحويرث رضي الله عنه قال: أتيت النبي صلى الله عليه وسلم في نفر من قومي فأقمنا عنده عشرين ليلة، وكان رحيما رفيقا، فلما رأى شوقنا إلى أهالينا قال: «ارجعوا فكونوا فيهم، وعلموهم وصلوا، فإذا حضرت الصلاة فليؤذن لكم أحدكم، وليؤمكم أكبركم».وكان صلى الله عليه وسلم يحث أصحابه على الرفق بالناس، روى البخاري في صحيحه من حديث أبي هريرة رضي الله عنه قال: «قام أعرابي فبال في المسجد فتناوله الناس، فقال لهم النبي صلى الله عليه وسلم: دعوه، وأهريقوا على بوله سجلا من ماء، أو ذَنوبا من ماء، فإنما بعثتم ميسرين، ولم تبعثوا معسرين». ولما بعث أبا موسى الأشعري ومعاذ بن جبل رضي الله عنهما إلى اليمن قال لهما: «يسِّرا ولا تعسِّرا، وبشِّرا ولا تنفِّرا، وتطاوعا ولا تختلفا»، وكان صلى الله عليه وسلم يحث أهل بيته على الرفق، ففي الصحيح: أن يهود أتوا النبي صلى الله عليه وسلم فقالوا: السام عليكم، فقالت عائشة: عليكم، ولعنكم الله وغضب الله عليكم، قال: «مهلا يا عائشة، عليك بالرفق، وإياك والعنف والفحش»، قالت: أولم تسمع ما قالوا؟ قال: «أولم تسمعي ما قلت؟ رددت عليهم، فيستجاب لي فيهم، ولا يستجاب لهم في».*إمام وأستاذ بجامعة العلوم الإسلامية – الجزائر
مقال مؤرشف
هذا المقال مؤرشف, يتوجب عليك الإشتراك بخطة الممتاز+ لتتمكن من الإطلاع على المقالات المؤرشفة.
تسجيل الدخول باقة الاشتراكات