يقول تعالى: (وَاعْبُدُوا اللَّهَ وَلَا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا وَبِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَالْجَارِ ذِي الْقُرْبَى وَالْجَارِ الْجُنُبِ وَالصَّاحِبِ بِالْجَنْبِ وَابْنِ السَّبِيلِ وَمَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ). وقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: “مَنْ أَصْبَحَ مِنْكُمْ آمِنًا فِي سِرْبِهِ، مُعَافًى فِي جَسَدِهِ، عِنْدَهُ قُوتُ يَوْمِهِ، فَكَأَنَّمَا حِيزَتْ لَهُ الدُّنْيَا”.إن هؤلاء الفقراء والمشردين الذين تزداد أعدادهم في كل يوم من الذين فقدوا الأهل والأحباب، وخسروا الأموال والأطيان، وفي لحظة وجدوا أنفسهم بلا مأوى، تتقلب بهم الأحوال من سيء لأسوأ... تغلق دونهم الأبواب، فلا يجدون عناية أو اهتمامًا أو رعاية من أحد؛ إن مشكلة هؤلاء ضخمة جدًّا في مجتمعاتنا اليوم.. وإن وجود هذه المشكلة في المجتمعات لهي سوءة على جبينها، وعار يستحيل غسله ما لم تتحرك المجتمعات لرفع المعاناة عن هؤلاء، وإعادة البسمة إلى وجوههم، وكفالتهم وإعالتهم.والمسلمون الأوائل وصلت عنايتهم بالشيوخ والعجزة والمسنين أن اهتموا بأهل الكتاب الذين طعنوا في السن، وأكل الدهر قواهم، مرَّ أمير المؤمنين عمر بن الخطاب بشيخ من أهل الذمة يسأل على أبواب الناس، فقال: “ما أنصفناك، أن كنا أخذنا منك الجزية في شبيبتك، ثم ضيعناك في كبرك”.إن من أهم مظاهر التكافل الاجتماعي التي حظت عليها الشريعة الإسلامية رعاية الفقراء والمشردين، ومساعدتهم مالياً، واجتماعياً حتى تسدّ حاجتهم وتكون لديهم الكفاية والمأوى. فالتكافل الاجتماعي يقوم على ركيزة أساسية، تتمثل في العمل على إعانة الناس والإنفاق عليهم وضمان حياة كريمة لهم.ومما يبين رعاية الإسلام للفقراء والمشردين ما جاء من النصوص الشرعية التي تدعو إلى الحثّ على مجالسة الفقراء وملاطفتهم ومجاورتهم، والدعاء لهم، قال الله تعالى: (إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ)، وقال سبحانه: (وَالَّذِينَ فِي أَمْوَالِهِمْ حَقٌّ مَعْلُومٌ * لِلسَّائِلِ وَالْمَحْرُومِ)، وقال تعالى: (فَلَا اقْتَحَمَ الْعَقَبَةَ وَمَا أَدْرَاكَ مَا الْعَقَبَةُ فَكُّ رَقَبَةٍ أَوْ إِطْعَامٌ فِي يَوْمٍ ذِي مَسْغَبَةٍ يَتِيمًا ذَا مَقْرَبَةٍ أَوْ مِسْكِينًا ذَا مَتْرَبَةٍ). وقال صلى الله عليه وسلم: “الساعي على الأرملة والمسكين كالمجاهد في سبيل الله، أو كالذي يصوم النهار ويقوم الليل”. وقال صلى الله عليه وسلم: “هَلْ تُنْصَرُونَ وَتُرْزَقُونَ إِلا بِضُعَفَائِكُمْ؟!”، فجعلهم (ضعفاء الجسد والمال) سببًا في الرزق، والدافع إلى النصرة.فعلينا استشعار المسؤولية عن كل فقير ومشرد ضائع؛ لأن المسلم صاحب رسالة جاء بها المبعوث رحمة للعالمين صلى الله عليه وسلم، وإن الله تعالى سائل كل مسلم وبخاصة كل راع عما استرعاه! ولهذا، فعلى الجمعيات وذوي الإحسان من الأغنياء ألا يغفلوا عن هذا الباب من أبواب الخير والتعاطف والتراحم مع هؤلاء الفقراء والمشردين.وعلينا تشجيع الغير على هذا الخير بالكلمة الطيّبة؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: “اتقوا النار ولو بشق تمرة، فمن لم يجد فبكلمة طيّبة”؛ إذ إن المسلمين أحق وأولى من المبشرين النصارى بهذا الخير، بتقديم المساعدات والخدمات للمحتاجين في البلدان الفقيرة؛ لأن المسلمين أتباع من كان رحمة للعالمين، ومن كان يعلم الناس الخير بالقول والعمل صلى الله عليه وسلم.إن أحب الأعمال إلى الله عز وجل سرور تدخله على أخيك المسلم في تفريج همه وكربه، والوقوف بجانبه ومساعدته، فعن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما: “أن رجلاً جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم، فقال: يا رسول الله! أي الناس أحب إلى الله؟ وأي الأعمال أحب إلى الله؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أحب الناس إلى الله تعالى أنفعهم للناس، وأحب الأعمال إلى الله تعالى سرور تدخله على مسلم، أو تكشف عنه كربة، أو تقضي عنه ديناً، أو تطرد عنه جوعاً”.والمسلم يتألم لألم أخيه، ويفرح لفرحه، ويُسر حين يرى حاجته قد انقضت، بل عليه أن يسعى في قضاء حاجة أخيه، وتفريج همه وكربه. قال صلى الله عليه وسلم: “من نفَّسَ عن مؤمنٍ كُربة من كُرَب الدنيا، نفَّسَ اللهُ عنه كُربة من كُرَب يوم القيامة، ومن يسّر على معسرٍ، يسّرَ الله عليه في الدنيا والآخرة، ومن سترَ مسلماً، ستره اللهُ في الدنيا والآخرة، واللهُ في عون العبد ما كان العبدُ في عون أخيه”.
مقال مؤرشف
هذا المقال مؤرشف, يتوجب عليك الإشتراك بخطة الممتاز+ لتتمكن من الإطلاع على المقالات المؤرشفة.
تسجيل الدخول باقة الاشتراكات