تقع مكتبة خودابخش الشرقية العامة في مدينة باتنة بولاية بيهار بالهند، وقد وضعت اللبنات الأولى لهذه المكتبة من قبل والد خودابخش، محمد بخش، حيث اقتنى 1400 مخطوط، وجمعها في مكتبة ببيته، وسماها المكتبة المحمدية، وقبل وفاته سنة 1876م أهدى تلك المكتبة إلى نجله الأكبر خودابخش، وأبدى له رغبته في أن تكون هذه المكتبة مكتبة عامة، مفتوحة لكل الناس.وبعد مرور 15 سنة على وفاة والده، قام خودابخش بتنفيذ وصيته، وتحقيق أمنيته، حيث أوقف المكتبة على عامة الناس وسماها المكتبة الشرقية، وتم افتتاحها رسميًا للعموم سنة 1891، وكان يدير المكتبة بنفسه. وبعد وفاته، تولت عائلته الإشراف على المكتبة وإدارتها حتى سنة 1956، ثم تولت الحكومة المحلية لولاية بيهار مسؤولية إدارة المكتبة والإشراف عليها، وفي سنة 1969، انتقلت المسؤولية على المكتبة والإشراف عليها إلى الحكومة المركزية بدلهي.قسمت المكتبة إلى قسمين رئيسين، منها قسم المخطوطات ويضم 21000 مخطوط أصلي، منها 9000 باللغة العربية، ويتوزع الباقي اللغتين الفارسية والأردية وقليل منها بلغات أخرى. والمخطوطة التي نعنيها، بهذا المقال: “تعليقات شاه ولي الله الدهلوي على صحيح البخاري” توجد بهذه المكتبة، وهي نسخة نظيفة سليمة من الخروم والتآكل، غير مبتورة الطرفين، ولا يوجد بها نقص في وسطها، مجلدة تجليدا فاخرا، محفوظة في خزانة خاصة بالنوادر، وإننا لنعتقد أنها النسخة الوحيدة في العالم، حتى أن كثيرا من علماء الهند لا يعرفون عنها شيئا. وقد سألنا بعض علماء الهند عن درايتهم بهذه النسخة، فأجابوا أنهم لا يعلمون عنها شيئا، وكان اكتشاف هذه النسخة عند زيارتنا للمكتبة والتمكن من الاطلاع على خزانة النوادر، وذلك بتوجيه الدكتور إمتياز الذي كان مدير المكتبة والأستاذ عتيق الرحمن الذي كان حافظًا لخزانة النوادر وخبير المخطوطات بالمكتبة.وقد كتبت نسخة المخطوطة بخط يد تلميذه الذي أجازه شاه ولي الله الدهلوي فيها، وهو الشيخ محمد بن الشيخ بير محمد أبي الفتح العمري. وكُتِب نص الإجازة في آخر النسخة، وبخط يد شاه ولي الله الدهلوي، في شهر شوال سنة 1159هـ، وكتب في نهاية الإجازة بخط يد ابنه شاه محمد رفيع الدين رحمه الله، تأكيدًا وتوثيقًا لخط والده رحمه الله باللغة الفارسية ما نصه: (هذا خط الوالد الأجل دون شك ولا ريب).أما نص الإجازة، فلا يمكن إيراده كاملا لطوله، ولكن نكتفي بمقتطفات منه، قال شاه ولي الله الدهلوي: (... أما بعد، فإن أخانا في الله عز وجل، الفاضل الصالح الشيخ محمد بن الشيخ بير محمد أبي الفتح العمري نسبًا، البلكرامي أصلا، والإله بادي مولدا ومنشأ، قرأ عليّ الجامع الصحيح المسند، تصنيف الإمام الحجة أمير المؤمنين في الحديث أبي عبد الله محمد بن إسماعيل البخاري رحمه الله تعالى...)، ثم ذكر كتبًا أخرى في الحديث وقال في نهاية الإجازة: (... فأجزت له أن يروي عني هذه الكتب كلها).أما تعليقاته رحمه الله على البخاري، فليست بالكثيفة بمعنى تتبع نص البخاري حديثا حديثا، ولكنها كانت حاضرة، حيث يوجد إشكال في كلمة، أو غموض معنى، أو تفسيرات عدة لحديث واحد تحتاج إلى ترجيح، أو إشكال في السند يحتاج إلى الإبانة عنه، وقد كتبت جميعها بخط يد تلميذه صاحب الإجازة، وكان التلميذ يبدأ تعليق الشيخ بقوله: (قال شيخ المحدثين ولي الله سلمه الله)، ثم يتبعه بتعليق الشيخ رحمه الله.ويعكف الدكتور عتيق الرحمن، رئيس قسم المخطوطات بمكتبة خودابخش الشرقية العامة، على جمع تلك التحقيقات، وضبطها، ونشرها في كتاب مستقل، حسب ما أفادنا بذلك عندما التقيناه، ولكنه لم يفعل حتى الآن، ولا أظنه أنه سيفعل شيئا من ذلك.وقد قمنا بتصوير لقطات محدودة جدًا من المخطوطة، أما تصويرها كاملة فلم يسمح به لنا ولا لغيرنا، فالحمد لله أننا تمكنا من رؤيتها والاطلاع عليها وكتابة بعض المقاطع منها التي كنت أرى أنها مهمة عند الإعلان عن وجود هذه النسخة في المكتبة.ومن حرصنا على مصداقية عمل المركز ومصداقيتنا لدى علماء الهند ورجالها، فقد أخبرت إدارة المكتبة بأننا سنعلن لكل المسلمين عن وجود هذه النسخة لديكم بتفاصيل محدودة، تخدم مكتبتكم وترفع من شأن رصيدها التراثي، وجهودنا تبقى مستمرة في التوصل إلى اتفاق تعاون علمي مع هذه المكتبة.. والله الموفق لما فيه الخير والصواب.
مقال مؤرشف
هذا المقال مؤرشف, يتوجب عليك الإشتراك بخطة الممتاز+ لتتمكن من الإطلاع على المقالات المؤرشفة.
تسجيل الدخول باقة الاشتراكات