انتشـــــــار العقــــــوق في المجتمـــــــع، إلى أيــــــن؟

+ -

 ورد عنه عليه الصلاة والسلام قوله: “إذا ظهرت في أمتي أربع عشرة خصلة فانتظروا ريحًا حمراء وزلزلة وخسفًا ومسخًا وقذفًا...”، فذكر من هذه الخصال: إذا أطاع الرجل زوجته، وعق أمه، وأدنى صديقه، وأبعد أباه، وما أكثر هذا في هذا العصر.فلا إله إلا الله، فكم من آباء يئنون وأمهات يشتكين، ولا إله إلا الله كم يحز في النفس ويدمي القلب يوم نسمع عن بعض الأبناء وهم يعقون والديهم، يؤذونهم ويجاهرونهم بالسوء وفاحش القول، ويقهرونهم وينهرونهم، يقول بعضهم مخاطبًا أباه: أراحنا الله منك وعجل بزوالك يا شيبة النحس، ويا عجوز الشؤم، تالله إنها لقولة يستحي إبليس أن يقولها. ففي قصة تدمي القلوب، يأتي رجل وزوجته، وأمه تحمل ولدهما ليشتروا ذهبًا من صائغ، تدخل الزوجة فتأخذ ما اشتهت من الذهب، وتقف الأم واجمة هناك تحمل حفيدها، ثم تتقدم لتأخذ خاتمًا، فيقوم الابن بتسديد قيمة ذهب زوجته، فيقول البائع: بقي عليك كذا، قال: لماذا؟ قال: قيمة الذهب الذي أخذته أمك. فينفجر الولد العاق غاضبًا ويقول: الكبيرات في السن لا يلبسن الذهب، أخذت الأم الخاتم وأعادته للبائع ولسان حالها يقول: {إنما أشكو بثي وحزني إلى الله}، حسبنا الله ونعم الوكيل.إن ربنا سبحانه توعد بالعذاب الأليم واللقاء الشديد من عصى والديه؛ لأنه ارتكب معصية عظيمة فظيعة، وجريمة قبيحة شنيعة، يقشعر جلد المؤمن يوم يرى الابن كلما شب وترعرع تغمط حق والديه، وهما اللذان أذهبا زهرة العمر والشباب في تربيته، سهرا لينام، وجاعا ليشبع، وتعبا ليرتاح، فلما كبرا وضعفا ودنيا من القبر واحدودب ظهراهما وقلَّت حيلتهما، أنكر جميلهما، وقابلهما بالغلظة والجفاء، وجحد حقيهما، وجعلهما في مكان من الذلة والصغار لا يعلمه إلا رب الأرض والسماء.لقد قرن الله حقه بحق الوالدين، بل وأوصى الله وصية خاصة بهما: {ووصينا الإنسان بِوالديه حملته أمه وهنًا على وهنٍ} ضعفا على ضعف، ومشقة على مشقة، في الحمل وعند الولادة، وفي الحضن، وفي الإرضاع، وقد جعل المعصوم بر الوالدين مقدما على الجهاد: يا رسول الله، إنني أشتهي الجهاد ولا أقدر عليه، فقال: “هل بقي من والديك أحد حي؟” قال: نعم، أمي. فقال: “قابلِ الله ببرها، فإن فعلت فأنت حاج ومعتمر ومجاهد”.من المعلوم أن الإنسان إذا كبر ضاقت نفسه، وكثرت مطالبه، وقل صبره، وربما صار ثقيلا على من هو عنده، ومع ذلك فالله يقول: {إما يبلغن عندك الكبر أحدهما أو كلاهما فلا تقل لهما أف ولا تنهرهما وقل لهما قولا كريمًا، واخفض لهما جناح الذل من الرحمة وقل رب ارحمهما كما ربياني صغيرًا}. في حال بلوغ الوالدين الكبر، يكون الضعف قد تمكن منهما في البدن، وقد يكون في العقل، وربما وصلا إلى أرذل العمر الذي هو سبب للضجر والملل منهما، ومع ذلك، أمرنا أن نقول لهما قولا حسنا كريمًا.ورد في السير أن أبا الأسود الدؤلي تخاصم مع امرأته إلى قاض في غلامهما، أيهما أحق بحضانته؟ فقالت المرأة: أنا أحق به، حملته مشقة، وحملته تسعة أشهر، ثم وضعته، ثم أرضعته إلى أن ترعرع بين أحضاني وعلى حجري كما ترى أيها القاضي. فقال أبو الأسود: أيها القاضي! حملته قبل أن تحمله، ووضعته قبل أن تضعه، فإن كان لها بعض الحق فيه فلي الحق كله أو جله. فقال القاضي: أجيبي أيتها المرأة. قالت: لئن حمله خفة فقد حملته ثقلا، ولئن وضعه شهوة فقد وضعته كرها. فنظر القاضي إلى أبي الأسود وقال له: ادفع إلى المرأة غلامها ودعنا من سجعك.. والله ولي التوفيق.*إمام وأستاذ بجامعة العلوم الإسلامية – الجزائر

مقال مؤرشف


هذا المقال مؤرشف, يتوجب عليك الإشتراك بخطة الممتاز+ لتتمكن من الإطلاع على المقالات المؤرشفة.

تسجيل الدخول باقة الاشتراكات