يأمرنا ديننا الإسلامي بالأمانة وإتقان الأعمال، ويحذرنا من الغش في البياعات، حتى أنه أخرج الغاش في تجارته من جماعة المسلمين، فقال عليه الصلاة والسلام: “من غشنا فليس منا”.الغش التجاري تصنفه سلطات القوانين في جميع أنحاء العالم بأنه جريمة القرن الواحد والعشرين، خاصة مع التطور السريع الحاصل في التكنولوجيا والإنترنت والعولمة، وتزايد تورط الجريمة الاقتصادية المنظمة. وهكذا نجد أن ظاهرة الغش التجاري باتت مشكلة عويصة تهز كيان كافة الأجهزة الحكومية والشعبية في عالمنا العربي والإسلامي بعد أن أخذت أشكالاً وأنماطا مختلفة، وأصبحت تشكل خطرًا حقيقيًا على حياة الشعوب ومستقبل الأمة الاقتصادي واستقرارها الأمني والسياسي.ويعتبر غشاشًا كل فرد، في أي مجال كان، يلتجئ إلى طرق غير مشروعة، كالخيانة والسرقة والكذب، معتمدًا على الحيل والمكر والتزوير والتلاعب، لتحقيق أهدافه الشخصية، التي من خلالها، يلحق أضرارًا مادية ومعنوية بقضايا الآخر وحاجاته.وديننا الإسلامي يحرم الغش والخداع بكل صوره، في بيعٍ وشراءٍ، وفي سائر أنواع المعاملات الإنسانية، والمسلم مطالب بالتزام الصدق في كل شؤونه، والنصيحة في الدين أغلى من كل كسب؛ قال نبينا صلّى الله عليه وسلّم: “الدين النصيحة”؛ قال الإمام الغزالي في إحياء علوم الدين: “الغش حرام في البيوع والصنائع جميعًا، ولا ينبغي أن يتهاون الصانع بعمله على وجهٍ لو عامله به غيره لما ارتضاه لنفسه، بل ينبغي أن يحسن الصنعة ويحكمها، ثم يبين عيبها، إن كان فيها عيب”.لقد ذم الله عز وجل الغش وأهله في القرآن وتوعدهم بالويل، ويُفهم ذلك من قوله تعالى: {ويل للمطففين. الذين إذا اكتالوا على الناسِ يستوفون. وإذا كالوهم أو وزنوهم يخسرون}. قال الإمام الطبري: قوله: {للمطففين} يعني: للذين ينقصون الناس، ويبخسونهم حقوقهم في مكاييلهم إذا كالوهم، أو موازينهم إذا وزنوا لهم، عن الواجب لهم من الوفاء.ولقد ورد أن النبي صلّى الله عليه وسلّم أنه مر على صبرة طعام فأدخل يده فيها فنالت أصابعه بللًا، فقال: “ما هذا يا صاحب الطعام”؟ قال: أصابته السماء يا رسول الله، قال: “أفلا جعلته فوق الطعام كي يراه الناس؟ من غش فليس مني”، وفي لفظ: “من غش فليس منا”، وفي لفظ: “من غشنا فليس منا”، وقال عليه الصلاة والسلام: “لا يحل لامرئ مسلم يبيع سلعة يعلم أن بها داء إلا أخبر به”، وحديث جابر بن عبد الله قال: “بايعنا رسول الله صلى الله عليه سلم على إقام الصلاة وإيتاء الزكاة والنصح لكل مسلم”.قال الإمام النووي: الغش ليس من أخلاق المؤمنين الذين وصفهم الله تعالى بالرحمة بينهم، والتعاون على البر والتقوى، وجعلهم كالبنيان يشد بعضه بعضًا، وكالجسد الواحد، والمؤمن يحب لأخيه ما يحب لنفسه.وقال ابن حجر الهيتمي: صور الغش التي يفعلها التجار والعطارون والصواغون والحياكون وسائر أرباب البضائع والمتاجر والحرف والصنائع كله حرام شديد التحريم، موجب لصاحبه أنه فاسق غشاش خائن، يأكل أموال الناس بالباطل، ويخادع الله ورسوله صلّى الله عليه وسلّم، وما يخادع إلا نفسه؛ لأن عقاب ذلك ليس إلا عليه.هذا وإن من أهم أسباب الغش: ضعف الإيمان بالله تعالى، وقلة الخوف منه، وجهل المسلم بحرمة الغش، وأنه من الكبائر، والحرص على جمع الأموال من أي طريق كان، وعدم الرضا برزق الله تعالى، والتربية غير السليمة، التي تتنافى مع الأخلاق والآداب الإسلامية، وعدم تذكر الموت والدار الآخرة والحساب والعقاب يوم القيامة...وللغش آثار وأضرار وخيمة على الفرد والمجتمع، فهو معصية لله تعالى ولرسوله صلّى الله عليه وسلّم، ولا يفيد الغشاش إلا الوِزر، والخزي العاجل والآجل إن لم يتب، ويعتبر خيانة للأمانة التي كلّف الله تعالى الإنسان بها، وفيه دليل على أن نفس الغشاش خبيثة، وهو من الكذابين والخونة والظلمة، وأنه يمحو البركة من عملِ ومال صاحبه، وهو من أسباب عدم إجابة الدّعاء، وسبب لقطع الصلات، وزعزعة الثقة في المجتمع، وإثارة الأحقاد والبغضاء بين الناس، وسبب لنشر الفساد وتضييع مصالح الناس، وأن الغشاش ليس في قلبه رحمة للمسلمين، وأنه لا يحب لهم ما يحب لنفسه.وإن من وسائل القضاء على الغش: إخلاص العمل لله تعالى، وأن يتضرع المسلم إلى الله تعالى بالدعاء بأن يكفيه بحلاله عن حرامه، وتقوية الثقة بالله تعالى، واستشعار مراقبته سبحانه، وضرورة الاهتمام بتربية الفرد تربية سليمة، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، ومراقبة الأسواق وملاحقة ومعاقبة مرتكبي الغش؛ لردعهم عن ذلك، وبالنظر للعواقب السيئة للغش في الدنيا والآخرة.
مقال مؤرشف
هذا المقال مؤرشف, يتوجب عليك الإشتراك بخطة الممتاز+ لتتمكن من الإطلاع على المقالات المؤرشفة.
تسجيل الدخول باقة الاشتراكات