أحيت بلادنا خلال القليلة الماضية (يوم الخميس الماضي 15 سبتمبر) اليوم الوطني للإمام تخليدًا لذكرى وفاة العالم الرّبّاني الشّيخ سيّدي محمد بلكبير.ولإمام المسجد في الإسلام مكانة عظيمة، كما أنّ عليه دور جسيم يجب القيام به في إصلاح وتوجيه المجتمع، لأنّ المسجد هو المؤسسة الأولى في الإسلام وهو الرّابطة الدّينية والاجتماعية الّتي توثّق الصّلة وتحقّق التّعارف والتّعاون والتّكافل بين فئات المجتمع المسلم.فإذا كان الإمام عالمًا قويّ الشّخصية نافذ البصيرة عارفًا بعادات النّاس وأحوالهم كان تأثيره جيّدًا ومفيدًا في سكان الحيّ الّذي فيه المسجد يُعلّمهم ويرشدهم ويقودهم إلى كلّ خير وفضيلة.إنّ للعلم والعلماء مكانةٌ في الدّين لا تُنكَر، وفضلٌ كبير لا يكاد يُحصر؛ فقد جاءت نصوص الشّرع متعاضدة تعزِّز من مكانتهم، وتبيِّن فضلَهم؛ فهم من شهود الله على أعظم مشهود به، وهو توحيد الله عزّ وجلّ، كما قال تعالى: {شَهِدَ اللَّهُ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ وَالْمَلَائِكَةُ وَأُولُو الْعِلْمِ قَائِمًا بِالْقِسْطِ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ}.ويكفيهم شرفًا أنّ الله تعالى رَفَعَ شأنَهم، فجعلهم أهل خشيته من بين خلقه؛ {إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ العُلَمَاء}، وأبى سبحانه التّسوية بينهم وبين الجهلة بشريعته؛ {قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لاَ يَعْلَمُونَ}، ورفَعَهم الله تعالى درجاتٍ؛ فقال سبحانه {يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ}.ولمّا كان أهل العلم والأئمة بهذه المنزلة؛ فقد جاء الشّرع يأمر بتكريمهم، والحضِّ على توقيرهم؛ فعن عبادة بن الصّامت رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: “ليس منَّا مَن لم يجلَّ كبيرَنا، ويرحم صغيرنا، ويعرف لعالمنا حقَّه”.إنّ توقير العلم والعلماء من إجلال الله تعالى وتعظيمِ شريعته، وامتثالِ أمره؛ عن أبي موسى الأشعري رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: “إنّ من إجلال الله إكرامَ ذي الشّيبة المسلم، وحاملِ القرآن غير الغالي فيه والجافي عنه، وإكرامَ ذي السّلطان المُقسِط”.وفي صدر الإسلام كان النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم هو الإمام والخطيب ثمّ خلفاؤه الرّاشدون ثمّ الأمراء والحكّام والعلماء الأعلام، وهذا يدلّ على أنّه يجب أن يكون متولّي هذه الوظيفة في المنزلة العالية من الدّين والخُلُق والعلم والسّلوك، وهنا تظهر أهمّية هذه الوظيفة في حياة النّاس إذ إنّ قوّة الأئمة تبدو على مجتمعاتهم، وضعفهم يظهر أثره في تلك المجتمعات، لأنّ المسجد هو الّذي يعلّم المجتمع ربط القول بالعمل، فإذا كان الإمام ضعيف العلم والشّخصية أو سيّئ الخلق والسّلوك فإنّه يضرّ ولا ينفع، وإذا كان من مهمّة الإمام قيادة المصلّين إلى الخير والبرّ والصّلاح فمن العسير أن يحقّق الإمام الجاهل هذه المهمّة الجليلة العظيمة.والإمام يتفقّد الغائبين، ويزور المرضى، ويسعى في حاجات من يصلّي معه من المسلمين ويُعلِّم جاهلهم، وينبّه غافلهم، وينصح مسيئهم، ويُصلح ذات بينهم، ويقرّب بعضهم من بعض ويسعى في أسباب المودّة والمحبّة بينهم، ويحاول إصلاح الخلل الاجتماعي فيهم من الشّقاق العائلي، ومنازعات الجيران ونحو ذلك، وفي الجملة فإنّ دور الإمام عظيم عليه أن يقدّره حقّ قدره، وعلى أفراد المجتمع أن يعينوه في تحقيق المصالح الشّرعية ودفع المفاسد والأضرار.إنّ إمام المسجد ليس عمله الرّئيسي، على الرّغم من أهمّيته، أداء الصّلاة فقط، بل هو أحد الموجّهين الرّئيسيين في بناء المجتمع المسلم، وتوجيهه سواء من خلال المنبر أو حلقات العلم، والدّروس الوعظية، والمنهجية.وعلى هذا فإنّ إمام المسجد له أدوار ومهام متعدّدة ألزمته عليها الشّريعة الإسلامية ليكون مشعلًا من نور يضيء للمسلمين ولمن يريد النّور دربهم في كلّ الأحوال والظّروف، فينمي المجتمع ويطوّره، فينشر فيه العلم والمعرفة والأمن والأمان.حريّ بإمام المسجد أن يقوم بدوره البناء في التّربية الاجتماعية، لأنّه أحد أركان التّوجيه والإشعاع في المجتمع، ومنبر الهداية، والإرشاد لجميع المسلمين على مختلف طبقاته وألوانه.فالإمامة تعليم وتذكير، وأمر بمعروف ونهيّ عن منكر، ولا يخفى ما لهذه الأمور من منزلة عظيمة، فبالعلم يزول الجهل، وبالتّذكير تذهب الغفلة، ويحلّ الإقبال على الدّين محلّ الإعراض عنه، وبالأمر بالمعروف والنّهيّ عن المنكر تسود طاعة الله في المجتمع وتضمحل المعصية، وتنتشر الفضيلة وتنحسر الرّذيلة، ويكثر الخير ويقلّ الشّرّ.ومن أجل هذا وغيره تعدّ الإمامة رسالة عظيمة، ومهمّة جسيمة يوفّق الله للقيام بها على الوجه المطلوب دعاة الحقّ، وصفوة الخلق حماة الدّين، وحراس العقيدة، فيتعلّم على أيديهم الجاهل، ويستيقظ من أجل مواعظهم الغافل، ويهتدي بهم السّالك، وتسمو بتوجيهاتهم النّفوس، وتزكو الضّمائر، وتتهذّب الأخلاق، وتقوم شعيرة الأمر بالمعروف والنّهيّ عن المنكر؛ فتحيا السّنن، وتندرس البدع ويسعد النّاس بالأئمة الأكْفَاء كما سعدت الدّنيا بإمام الأئمة صلّى الله عليه وسلّم.ولمّا كان أمر الإمامة عظيمًا فقد دعا النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم للأئمة بالرّشد؛ فقال عليه الصّلاة والسّلام: “الْإِمَامُ ضَامِنٌ وَالْمُؤَذِّنُ مُؤْتَمَنٌ اللَّهُمَّ أَرْشِدْ الْأَئِمَّةَ وَاغْفِرْ لِلْمُؤَذِّنِينَ”.
مقال مؤرشف
هذا المقال مؤرشف, يتوجب عليك الإشتراك بخطة الممتاز+ لتتمكن من الإطلاع على المقالات المؤرشفة.
تسجيل الدخول باقة الاشتراكات