إنّ الواقع المعاشي اليوم أصبح جدّ معقد، مع اتّساع دائرة النّفقات، وضعف الدّخل، وغلاء المعيشة، لم يجد المواطن البسيط حلًّا، إلّا باللّجوء إلى البيع بالتّقسيط للشّراء، وإمّا بالاستدانة لتغطية هذا العجز.وإنّ مبدأ التّكافل الاجتماعي هو من أقوى الأبواب لمساعدة المعسر، إمّا بالصّدقات التّطوعية، وإمّا بإخراج حقّ الله في هذه الأموال لمستحقّيها، من الأصناف الثمانية المقرّرة في قوله تعالى: {إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ وَالْعَامِلِينَ عَلَيْهَا وَالْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ وَفِي الرِّقَابِ وَالْغَارِمِينَ وَفِي سَبِيلِ اللهِ وَابْنِ السَّبِيلِ فَرِيضَةً مِّنَ اللهِ وَاللهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ} التّوبة:60.فإذا تقرّر إعطاء الغارمين واستحقاقهم لمال الزّكاة شرعًا، فهل يجوز إسقاط الدَّيْن عن المَدِين مقابل حقّه في الزّكاة، بحيث الّذي يخرج الزّكاة هو الغريم نفسه.فهل يجوز لهذا المُزكّي أن يحتسب من الزّكاة دَيْنه الّذي على غريمه المُعسِر؟رأي الفقهاءوفي المسألة قولان مشهوران: القول الأوّل: بعدم الجواز، لأنّ صاحب الدَّيْن كأنّه يدفع الزّكاة إلى نفسه. وفي هذه الحالة هو من انتفع بها لوقاية مال نفسه، واسترداده بهذه الطريقة. والقول الثّاني: وهو الجواز مع التّفصيل، حيث إنّه يجوز إسقاط الدَّيْن عنه، بشرط أن يملك المبلغ في يده، ثمّ يبقى له هو الخيار إمّا بإرجاعه إلى صاحب الزّكاة من أجل إسقاط دينه، وإمّا بصرفها لقضاء دَيْن أخر كان حالا عليه ومحرجًا فيه.التّرجيحأنّه يجوز المقاصة، في الدَّيْن بالزّكاة، بشروط: 1- أن يكون من الغارمين. 2- أن يُملّك المال في يده. 3- ألّا يشترط عليه أنّه إذا أعطاه الزّكاة سدّد ما عليه من دَيْن لصاحب الزّكاة.والعلّة في هذا كلّه: أنّه متى قصد بالدّفع إحياء ماله واستيفاء دينه، لم يجز، لأنّ الزّكاة حقّ لله معلوم، وليس لمنفعة المُزكّي.تذييلالمسألة الأولى: الأصل أنّ الغارم يُسدّد دَيْنَه بمال الزّكاة، ولا يصرفه إلى منافع أخرى، لأنّه ما أُعطيَ هذا المال إلّا لسداد دَيْنه.المسألة الثانية: أنّه يجوز لصاحب الزّكاة أن يعطي المال لأصحاب الدَّيْن مباشرة، ويُعلِم المَدين بذلك.وإن كان الأَوْلَى أن يتولّاها هو بنفسه. أمّا إذا كان محجورًا عليه بالفَلس (الإفلاس)، فإنّه جائز ولو بغير علمه.وسبب الخلاف في هذه المسألة، أنّ الغارم جاء في السّياق القرآني بعد حرف الجر (في). أمّا الأصناف الأخرى كالفقراء جاء بعد حرف الجرّ (اللام) الّتي تفيد التّمليك، وما كانت كذلك فلابد أن يملك صاحبها المستحقّ، وهذا على خلاف في المسألة، ودلالة الحروف.هذا وبالله التّوفيق، فاللّهمّ أعْطِ مُنْفِقًا خَلَفًا، يا ربّ.* أستاذ الشّريعة والقانون بجامعة وهرانإمام وأستاذ الشّريعة بالمدرسة العليا للأساتذة
مقال مؤرشف
هذا المقال مؤرشف, يتوجب عليك الإشتراك بخطة الممتاز+ لتتمكن من الإطلاع على المقالات المؤرشفة.
تسجيل الدخول باقة الاشتراكات