أخرج الشّيخان في صحيحيهما من حديث أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: “إذا سافرتم في الخصب فأعطوا الإبل حظّها من الأرض، وإذا سافرتم في السّنة فأسرعوا عليها السّير، وإذا عرستم باللّيل فاجتنبوا الطّريق، فإنّها مأوى الهوام باللّيل”.قال الإمام النووي رحمه الله تعالى: “معنى الحديث: الحثّ على الرّفق بالدّواب، ومراعاة مصلحتها، فإن سافروا في الخصب قلّلوا السّير وتركوها ترعى في بعض النّهار وفي أثناء السّير، فتأخذ حظّها من الأرض بما ترعاه منها، وإن سافروا في القحط عجّلوا السّير ليصلوا المقصد وفيها بقية من قوّتها، ولا يقلّلوا السّير فيلحقها الضّرر؛ لأنّها لا تجد ما ترعى فتضعف”.الحديث يمكن تكييفه تكييفًا فقهيًا بما يتناسب مع واقعنا المعاصر، وذلك من خلال تفقد سائق السّيارة محرّك مركبته، وعدم الإسراع حتّى لا يتسبّب في حادث يعود بالضّرر عليه وعلى أسرته وعلى المجتمع، وقول المصطفى عليه الصّلاة والسّلام: “وإذا عرستم باللّيل فاجتنبوا الطّريق”، يستفاد منه عدم التّوقّف بالمركبة في الطّريق العام، وكذا أمام محلات وبيوت أصحابها.إنّ من نعم الله علينا تسخير هذه المركبات، الّتي هيّأها الله وألهم خلقًا من خلقه لاختراعها: {وَجَعَلَ لَكُمْ مِنْ الْفُلْكِ وَالأَنْعَامِ مَا تَرْكَبُونَ، لِتَسْتَوُوا عَلَى ظُهُورِهِ ثُمَّ تَذْكُرُوا نِعْمَةَ رَبِّكُمْ إِذَا اسْتَوَيْتُمْ عَلَيْهِ وَتَقُولُوا سُبْحانَ الَّذِي سَخَّرَ لَنَا هَذَا وَمَا كُنَّا لَهُ مُقْرِنِينَ، وَإِنَّا إِلَى رَبِّنَا لَمُنقَلِبُونَ}، فهذه المراكب أصبحت في عصرنا بمتناول الكثير، يقودها العاقل والسّفيه، تُرى متى نحسن استعمال هذه النّعمة؟هناك فئة في المجتمع تراهم في سيارتهم يتصرّفون تصرّفات رعناء جنونية، تصرّفات خارجة عن العقل، تصرّفات تدال على عدم الشّعور بالمسئولية وعلى اللامبالاة بالنّفوس والمجتمع، وعدم رعاية الأنظمة، همّهم قضاء أغراضهم، والوصول إلى حاجاتهم، غير مكترثين بحياة إخوانهم: “المؤمن من أمنه النّاس على دمائهم وأموالهم”.طالع رعاك الله الإحصاءات لتكتشف الأرقام المروعة، فنسب الحوادث في ارتفاع، أرقام مذهلة، فقد ناهزت الوفيات في العالم سنويًا مليوني حالة وفاة، وعدد الإصابات ثلاثين مليون إصابة، فالاستنزاف البشري والمادي نتيجة حوادث السيارات بلغ مبلغًا مهولًا، زُرْ أيّها الفاضل المشافي لتقف على تلك المآسي، وأنّ أكثر من ينام على تلك الأسرة هم من مصابي حوادث السّير.القيادة أخي الكريم فن وذوق وأخلاق، فليست المهارة في السّرعة ومخالفة الأنظمة، وإنّما في حسن التّصرّف والهدوء والرّوية، وتجنّب الوقوع في المهالك، الذّوق في القيادة يتجلّى في إكرام الآخرين حينما تترك حقّك في العبور لغيرك، فيكون هذا ذوقًا منك ولطفًا وكرامة، الأخلاق في القيادة تتجلّى في توقّفك التّوقّف الصّحيح، تأمّل حال المصلّين عند خروجهم من المسجد كيف يكون، البعض يضيق الطّريق أو يغلق المكان على سيارة أخرى، والبعض ربّما وقف وأغلق بابًا من بيوت جوار المسجد، يمن على الغير أنّه يصلّي!!ولا أحدثك عن سوء أخلاق بعض السّائقين في تلاسنهم وبصاقهم عند حدوث أيِّ خطأ من راجل أو راكب، فأيّ أخلاق هاته الّتي ننتسب إليها؟ البعض قد يصدم سيارة واقفة فيذهب وكأنّ شيئًا لم يحصل، والبعض قد يدهس إنسانًا فيهرب، ويظنّ المسكين أنّ عين الله خافية عليه، لا يعلم أنّ الله له بالمرصاد، وأنّ دعوة المظلوم ليس بينها وبين ربّها حجاب، ومن سوء الأخلاق ما اعتاده كثير من النّاس عند مشاهدتهم لحادث في الطّريق الوقوف والتّجمهر في عادة سيّئة قبيحة، كلّ يريد أن يشاهد لكي يحكي في المجالس ما رأى، وليشبعوا فضولهم على حساب تعطيل الطريق، ولو طلب من أحدهم مساعدة لاستنكف وأطلق ساقيه للرّيح.فيا من أعطاك ربّك هذه النّعمة وساقها إليك، لماذا تجحدها بهذه الطّريقة المخزية! لماذا تستعمل هذه السّيارة فيما يغضب ربّك! لماذا لا تمتثل للوائح وأنظمة المرور، عليك أن تعي أن اتباع قواعد المرور وتعليماته ليست من المستحبات، بل هي من الواجبات، وكل من خالفها فهو آثم، هذه حقيقة لا بد أن نعيها جميعا بدقة، فكل من خالف تعليمات المرور وهو عالم غير جاهل، مختار وغير مضطر، فهو آثم، ويكبر الإثم كلّما كبر الخطأ.*إمام مسجد عمر بن الخطّاب، بن غازي - براقي
مقال مؤرشف
هذا المقال مؤرشف, يتوجب عليك الإشتراك بخطة الممتاز+ لتتمكن من الإطلاع على المقالات المؤرشفة.
تسجيل الدخول باقة الاشتراكات