بالاشتراك جذور الدولة الاجتماعية في التاريخ البعيد والحركة الوطنية والاستقلال

+ -

يلاحظ أي متتبع للمجتمع الجزائري بأنه في عمومه يولي أهمية بشكل كبير للعدالة الاجتماعية أكثر من الحريات الديمقراطية، فهو يعطي الأولوية للعدالة على الحريات، فيمكن لأي رئيس أن يكتسب شرعية شعبية إذا وفر الخدمات الاجتماعية، وضمن العدالة الاجتماعية بين المواطنين، بغض النظر عن الطرق والأساليب التي وصل بها إلى السلطة، فمثلا الرئيس بومدين اكتسب شرعية واسعة بواسطة التنمية وتحقيق العدالة بين المواطنين. ويرى الكثير من الباحثين، خاصة الغربيين منهم، أن هذه الطبيعة ليست خاصة بالجزائري، لكنها تعم كل الشعوب المسلمة، فإن كان من الصعب تعميم هذا الطرح على هذه الشعوب، رغم اشتراكها في دين واحد، لأنها تختلف بعضها عن بعض سياسيا وتاريخيا وذهنيا وثقافيا وغيرها، ما أُثر بشكل جلي حتى على تأويلاتها وفهمها لنصوص الإسلام ذاته كالقرآن الكريم وأحاديث سيدنا محمد(ص) وغيرها.

ففي الحقيقة، يعود ارتباط الجزائري بالعدالة الاجتماعية إلى أسباب بعيدة وقريبة، فبشأن الأسباب البعيدة نسجل أن ذلك يعود إلى ما أشرنا إليه في مقدمتنا، وهو أن الجزائري إنسان مسلم، وفي ذهنه وتصوره أن الإسلام دين العدل، وأن لكل مسلم رسالة نشر العدل في العالم والدفاع عن المستضعفين، فقد غرست في ذهنه عدالة الخليفة الراشد عمر بن الخطاب رضي الله عنه بشكل كبير، بل يمكن لنا القول أن أحد أسباب اعتناق أجداده الإسلام هو عدالة هذا الدين، فقد كان يحب العدالة ومتمسكا بها حتى قبل ذلك، خاصة أثناء مواجهته للاستعمار الروماني الاستغلالي، كما اعتنق في عمومه، قبل مجيء الإسلام، المذهب المسيحي الدوناتي الذي أنشأه ابن سوق اهراس دونات، والذي كان أقرب المذاهب إلى المسيحية الأصيلة التي جاء بها سيدنا عيسى عليه السلام، والتي استند عليها حتى الكثير من الاشتراكيين ودعاة العدالة الاجتماعية في أوروبا، مثل ثورة الفلاحين في ألمانيا في القرن17م التي كتب عنها إنجلس بشكل مستفيض، فالدوناتية تحالفت مع الدوارين من أجل طرد الاستعمار الروماني بقيادة فيرموس واستعادة الأراضي الفلاحية التي أستولى عليها المعمرون الرومان آنذاك، فثورتهم ضد الرومان كانت ذات طابع وطني واجتماعي، وهي تشبه في ذلك إلى حد كبير حركة التحرير الوطنية الجزائرية ضد الاستعمار الفرنسي كما سنوضح ذلك فيما بعدفبشأن استعادة أراضيهم من المعمرين الرومان، فهي تقريبا نفس ما تكرر مع طرد الاستعمار الفرنسي باستعادة الجزائريين أراضيهم التي استولى عليها المعمرون الأوروبيون.

مقال مؤرشف


هذا المقال مؤرشف, يتوجب عليك الإشتراك بخطة الممتاز+ لتتمكن من الإطلاع على المقالات المؤرشفة.

تسجيل الدخول باقة الاشتراكات