قطعت حركة مجتمع السلم بشكل نهائي مع خط المشاركة، وأنهت خيار التوافقات مع السلطة الذي تبنته منذ تأسيسها، وأحدث قرارها مقاطعة الانتخابات الرئاسية رجة سياسية داخلية، وعززت في المقابل موقف قوى المعارضة التي أعلنت مقاطعتها. “لم يعد يفرق بين التجمع من أجل الثقافة والديمقراطية (الأرسيدي)، وحركة مجتمع السلم، في المواقف والقرارات، غير البعد الإيديولوجي”، هكذا علق بعض إطارات حركة مجتمع السلم على قرار مجلس شورى الحركة، القاضي بمقاطعة الانتخابات الرئاسية المقبلة، لكن رئيس الحركة عبد الرزاق مقري الذي قرأ بزهو كبير قرار مجلس الشورى، يصف – بخلاف ذلك - القرار بأنه “تاريخي” يستدعي وقوف أعضاء المجلس لدى إعلانه، ويعتقد أنه ساعة الحقيقة، ولحظة العودة إلى ملامسة الواقع السياسي بتفاصيله وجزئياته، بعيدا عن مبررات ودوافع كانت تسوق الحركة إلى غير هكذا قرارات.وإن كان لمجلس الشورى أسبابه التي أسس عليها قراره السيد بالمقاطعة، والمتصلة “بسبب عدم وجود فرصة حقيقية للإصلاح السياسي من خلال الانتخابات الرئاسية، واستفراد السلطة القائمة بالانتخابات، وتجاهل مطالب الطبقة السياسية لإرساء شروط النزاهة”، فإن قرار مقاطعة الرئاسيات، يؤسس في حد ذاته لمرحلة جديدة في المسار السياسي لأكبر حزب إسلامي في الجزائر، ويغلق مدرسة “المشاركة” التي شكلت العنوان الأكبر لحمس على مدار عقدين، ويعد في نظر المراقبين إعلان نهاية الخط السياسي الذي رسمه في ظروف غير الظروف الحالية، مؤسس الحركة وزعيمها الروحي الراحل الشيخ محفوظ نحناح. وفي الوقت نفسه يؤشر القرار على توجه حمس نحو منهج المغالبة السياسية مع السلطة، وينسجم مع قرارات سابقة اتخذتها الحركة، فقد أعلنت حمس في جانفي 2012، فك الارتباط مع التحالف الرئاسي الذي كان يدعم برنامج الرئيس بوتفليقة، وكان هذا القرار مقدمة لقرار لاحق اتخذته الحركة في شهر جوان 2012، بعدم المشاركة في الحكومة التي كانت بصدد التشكل بعد الانتخابات التشريعية احتجاجا على نتائج هذه الأخيرة. كان واضحا أن تغير قيادة الحركة في المؤتمر الذي عقد في ماي 2013، وصعود عبد الرزاق مقري رئيسا للحركة، خلفا لأبو جرة سلطاني، يدفع بالحركة إلى تغيير خطها السياسي، والخروج من خيار المشاركة، والتحول إلى خط المعارضة، لكن العودة إلى بعض المحطات السياسية السابقة، يعني أن مجلس الشوري ورئيس الحركة عبد الرزاق مقري نفذا - في الواقع - قرارا ظل مؤجلا منذ إقصاء الشيخ محفوظ نحناح في الانتخابات الرئاسية عام 1999، من قبل المجلس الدستوري، - وهي أكثر اللحظات التي كان يمكن أن تبرر قرار الحركة مقاطعة الرئاسيات – عندما قرر حينها مقري منفردا إخراج مناضلي الحركة من قاعة ابن خلدون إلى شارع الدكتور سعدان وسط العاصمة قرب قصر الحكومة.لا تبدو السلطة مرتاحة لهذا التحول العميق في مواقف حمس، فعدم بث أي مقطع من كلمة رئيس الحزب في نشرة الأخبار الرئيسة في التلفزيون العمومي، كباقي قيادات الأحزاب السياسية لا يفسر فقط غضب السلطة من الموقف المفاجئ لحمس، لكنه يؤشر على أنها أدرجت حزب المؤسس الشيخ محفوظ نحناح على قائمة الأحزاب “المارقة”.
مقال مؤرشف
هذا المقال مؤرشف, يتوجب عليك الإشتراك بخطة الممتاز+ لتتمكن من الإطلاع على المقالات المؤرشفة.
تسجيل الدخول باقة الاشتراكات