+ -

إنّ ديننا الإسلامي دين النّظافة والطهارة، وإنّ أوّل ما نزل من القرآن الكريم قوله تعالى: {وَثِيَابَكَ فَطَهِّرْ} المدثر:4، وإنّ أوّل باب في كتب الفقه الإسلامي هو باب الطّهارة، وصلاة المسلم لا تُقبَل منه ولا تصحّ إن لم يكن متطهّرًا في نفسه وثيابه ومكان صلاته.. فقد جعلها الله تعالى شرطًا لصحّة الصّلاة. يدلّ كلّ هذا على مدى عناية الدّين الإسلامي بالطّهارة والنّظافة، فممّا يجب على المسلم العناية بهذا الموضوع والاهتمام به والحثّ والتّواصي به.. وإنّ نظافة المحيط والسّكن والبيت والنّفس من الأمور الّتي تنشرح إليها النّفوس فتبعث البهجة وحُسن المنظر والمظهر للمجتمع الإسلامي، لذا جعل رسول الله صلّى الله عليه وسلّم النّظافة من الإيمان، حيث قال عليه الصّلاة والسّلام: “الطَّهور شطر الإيمان، والحمد لله تملأ الميزان، وسبحان الله والحمد لله تملآن” أو “تملأ ما بين السّماء والأرض، والصّلاة نور، والصّدقة برهان، والصّبر ضياء، والقرآن حُجّة لك أو عليك، كلّ النّاس يغدو فبايع نفسه فمعتقها أو موبقها”.كما أوصى صلّى الله عليه وسلّم أصحابه وهم قادمون من سفر: “إنّكم قادمون على إخوانكم فأصلحوا رحالكم وأصلحوا لباسكم حتّى تكونوا شامة في النّاس، فإنّ الله لا يُحبّ الفحش ولا التفحّش”. وعن صالح بن أبي حسان قال: سمعتُ سعيد بن المسيِّب يقول: “إنّ الله طيِّب يحبّ الطيّب، نظيف يحبّ النّظافة، كريم يحبّ الكرم، جواد يحبّ الجود، فنظِّفوا - أراه قال: أفنيتكم ولا تشبّهوا اليهود”، فقال حدثنيه عامر بن سعد عن أبيه عن النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم مثله إلاّ أنّه قال: “نظّفوا أفنيتكم” والمراد من هذا الحديث أن يكون المسلم نظيف المسكن الّذي يقيم فيه.ومن المظاهر الّتي تحزّ في النّفوس هذه الأيّام كثرة الأوساخ في سكناتنا وحوالي عماراتنا وكثرة الزّبالة المرمية هنا وهناك، تنبعث منها الرّوائح الكثيرة والأمراض المعدية دون مبالاة أو اكتراث من أحد وكأنّ الأمر لا يهم.لقد أعلى النّبيّ عليه الصّلاة والسّلام من شأن النّظافة، حتّى أنّه مرّة ذكر لأصحابه أنّه رأى رجلاً يتقلّب في الجنّة في شجرة قطعها من ظهر الطّريق كانت تؤذي النّاس، فالله تعالى أعطاه ثوابه عظيمًا وأجرًا كبيرًا.فما أروع أن تَظّلّ طرقنا نظيفة بعيدة عن كلّ أذى، وعن كلّ أنواع الأوساخ والأقذار الّتي تُلقى في الشّوارع، لابدّ أن نُعنى بنظافة مساكننا وأحيائنا وشوارعنا حرصًا على الصّحة والمظهر العام، وأن نُذهب الأذى عنها، فقد عدّ النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم إماطةَ الأذى عن الطّريق شعبة من شعب الإيمان، فقال عليه الصّلاة والسّلام: “الإيمان بضعٌ وسبعون، فأفضلها قول “لا إله إلاّ الله”، وأدناها إماطة الأذى عن الطّريق، والحياء شُعبة من الإيمان”.وتأكيدًا على أهمية هذا الموضوع، أنْكَرَ النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم على المسلمين أن يجعلوا الطّريق مكانًا لإلقاء فضلاتهم. يقول عليه الصّلاة والسّلام: “اتّقوا اللاعِنَين”، قالوا: وما اللاعنان يا رسول الله؟! قال: “الّذي يتخلّى في طريق النّاس أو ظلّهم” رواه مسلم.جاء في حديث آخر قوله صلّى الله عليه وسلّم: “بينما رجل يمشي بطريق وجد غصن شوك على الطّريق فأخّره، فشَكرَ الله له فغفر له” متفق عليه. فالله سبحانه وتعالى غفر لهذا الرّجل بعمل يسير.إنّ مثل هذه الأمور ربّما لا يُبالي بها كثير من النّاس ويظنّها المرء من الشّكليات؛ لكنّها من الأمور المهمّة، فالوقاية خيرٌ من العلاج، وإنّ إهمال موضوع النّظافة من شأنه أن يوقع الفرد أو المجتمع في الأمراض والأوبئة لا قدّر الله، وعلينا أن نوقن بأنّ عنايتنا بنظافة البدن والثّوب والمكان جزءٌ من ديننا، ومن التجمّل الّذي أمر به ربّنا سبحانه وتعالى، فالله تعالى جميل يحبّ الجمال، وطيّبٌ يحب الطِّيْب.إنّ الإسلام دين الطّهارة والنّظافة والجمال والكمال، والطّهارة أمرٌ وقائي، بل ركن أساسي للابتعاد عن الأمراض السّارية والمعدية. وهو دين النّظافة بأوسع معانيها، نظافة العقيدة بلا شكّ من الخرافات، نظافة الأخلاق من الرّذائل والمنكرات، نظافة اللّسان من الفحش والكفر والشتم، نظافة الجسد والثياب من الأوساخ، نظافة الحي السّكني من القاذورات والمهملات، نظافة المسجد، نظافة الطّريق، نظافة البيت وفِناء الدار، نظافة سائر جوانب الحياة الّتي يستخدمها الإنسان في ليله ونهاره.فلْنحرِصْ جميعًا على التخلّق بأخلاق الإسلام، وعلى تنظيف بيوتنا من الظاهر والباطن، وتنظيف أحيائنا ومجتمعاتنا، وعلى تنظيف أبداننا، وثيابنا، ومكان جلوسنا ونومنا، ومكان تناول طعامنا؛ ومن المهم التّواصي بهذا الشّأن والأمر بالمعروف والنّهي عن المنكر، ولابدّ من تعاون الجميع في مثل هذه القضايا، لأنّ ذلك من تمام الإيمان والأخلاق، فالنّظافة والتجمّل والصحّة والطّهارة أسس لابدّ منها لكلّ مسلم؛ حتّى تنهض هذه الأمّة بواجباتها.وحتّى يبدو المسلم كأنّه شامة بين النّاس، يقول النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم: “إنّكم قادمون على إخوانكم، فأصْلِحوا رِحالكُم وأصْلِحوا لباسَكُم؛ حتّى تكونوا كأنّكم شامة في النّاس، فإنّ اللهَ لا يُحبّ الفحش ولا التفحّش”.كلية الدراسات الإسلامية  قطر

مقال مؤرشف


هذا المقال مؤرشف, يتوجب عليك الإشتراك بخطة الممتاز+ لتتمكن من الإطلاع على المقالات المؤرشفة.

تسجيل الدخول باقة الاشتراكات
كلمات دلالية: