+ -

 في 1962 عندما تيقن المنتصرون على فرنسا أن طموحاتهم الرامية إلى الانفراد بالسلطة تمر حتما عبر مواصلة ما توقف عنه الجيش الاستعماري من قتل وإبادة، أبدعوا شعارا كتبوه على جدران شوارع المدن والقرى “بطل واحد هو الشعب”، ليتوقفوا عن التدمير الذاتي وتخريب البلاد. ومازالت شوارع في بعض المدن الجزائرية تحتفظ بذلك الشعار على جدرانها.وهو الشعار الذي يعرف الذين أبدعوه أنه كاذب، لأنهم شرعوا مباشرة بعد إعلان وقف إطلاق النار في ملاحقة “جزء من الشعب” الذي حمل السلاح مع فرنسا، وكان عددهم ربع مليون، حسب المجاهد لخضر بورقعة. وهذه حقيقة تاريخية أعادها “مجاهد كبير” هذه الأيام إلى الساحة العمومية بعد 50 سنة من الاستقلال، عندما أشهر أسماء عملاء الجيش الفرنسي، حسب وجهة نظره للتاريخ طبعا.ليس هذا موضوع هذه السطور، لأن كاتبها ليس مؤرخا ليخوض فيه ولا يخزن في ذاكرته مشاهد عن الثورة التحريرية، سوى ما قرأه وخاصة ما سمعه من فم والده ووالدته عن الدماء الطاهرة التي سالت في قريته والجبال المحيطة بها. لا علينا.الموضوع هو ذلك الشعب الذي كان “البطل الوحيد” سنة 1962، وتحول اليوم بعد 50 سنة من الاستقلال إلى نكرة ومركوب، يعود الفضل في بقائه ووفرة قوته وأمنه إلى رجل واحد أوحد، كما لا يتوقف عن ترديده الوزير الأول عبد المالك سلال وهو يجوب الولايات، ويجمع الناس حوله ويكاد يقول لهم إن الفضل حتى في وجودهم ووجود الهواء الذي يتنفسونه يعود إلى الرجل الواحد الذي وفر لهم الماء، شق الطرقات، بنى السكنات والجامعات والمستشفيات وحتى المحلات التجارية، هزم وحده كل المؤامرات الداخلية والخارجية، وقد يقول سلال إن الرجل الأوحد هو الذي رفع سعر برميل البترول في السوق العالمية، وغيرها من الكلام المثير للشفقة على هذا الشعب، وأيضا على مروج هذا الخطاب الذي يريد محو كل المقاومات التي خاضها الجزائريون ليبقوا واقفين دون سند من “النظام”.بدأت الجزائر بناء نفسها سنة 1962 ببطل واحد هو الشعب أجمع، لتنتهي بعد 50 سنة من التجارب الفاشلة، إلى بطل واحد، هو ذلك الذي يتحدث عنه سلال وسعداني ومن يدور في فلكهما من شخوص كثيرة ومتنوعة ملأت المشهد إلى حد تلويثه، ويقولون كلهم دون حياء إن الجزائر فيه “بطل واحد... ليس الشعب”.وهو الشعب الذي يريد سلال وسعداني ومن صنعهما أن يبين بطولته مجددا يوم 17 أفريل، ويتوجه إلى الصناديق ليحكم إغلاقها على نفسه لتستمر الكذبة الكبرى ويكرسوا الذي اختاروه له بطلا إلى الأبد[email protected]

مقال مؤرشف


هذا المقال مؤرشف, يتوجب عليك الإشتراك بخطة الممتاز+ لتتمكن من الإطلاع على المقالات المؤرشفة.

تسجيل الدخول باقة الاشتراكات