تنتشر القاذورات والأوساخ في مدننا وقُرانا بشكل كبير، ويرجع الباحثون ذلك إلى أنّ الأمر يعود إلى نقص الحسّ المدني لدى الجزائريين الّذين لا يرمون بالفضلات داخل سلّة المهملات في حين تنتشر الزّجاجات البلاستيكية وأكواب الورق في كلّ الأماكن، في حين نجد الشّوارع في البلدان الغربية نظيفة ولا تلحظ مَن يرمي حتّى أعقاب السّجائر في الأرض.هناك التزام قويّ بتعليمات النّظافة، وكذا العقاب لكلّ مَن يخاف رمي الأوساخ بالشّارع، بالإضافة لكونها ظاهرة غير حضارية، فهو تجاوز على الملكية العامة لأنّ الشّارع ملك عام لا يسمح التّجاوز عليه برمي الأوساخ، فترى الكبير قبل الصغير، الطالب الجامعي قبل الأمي (غير المتعلّم) يرمي وهو يسوق أو وهو يتجوّل، عندما نسألهم يقولون، الشّارع متسخ فإن رميت أو لم أفعل لن أغيّر شيء بالموضوع ولن ينظّف منّي فقط.إنّ رمي القمامة من السيارات للشّوارع والطرقات أو رميها في الأماكن العامة والحدائق لهو دليل تخلُّف وعدم انتماء للأرض والوطن إضافة إلى أنّه قد يتسبّب في الحوادث وانتشار الأمراض والأوبئة.. كما أنّها دليل على قلّة الوعي بأهمية الحفاظ على البيئة وعلى الصحة العامة.وإنّ القضية في الأساس تعود إلى الجانب الأخلاقي والتربوي في العائلة، فإذا شبّ الأطفال داخلها على تربية صحيحة تعلّمهم أخلاقية الشّارع وكيفية الحفاظ عليه، فإنّه بالتّأكيد سيحافظ على النّظافة ولا يرمي النّفايات في الشّوارع، سواء كان ماشيًا أو كان في داخل السيارة. أمّا أن يرمي النّفايات من الشّباك فإنّ الأمر يتعلّق بالأخلاق العامة والتّربية العائلية، فإنّ المواطن إذا تربّى في كنف عائلة واعية وتربّى أبناؤها على الأمور السّليمة فستجده حتمًا يلتزم بالنّظام في الشّوارع ولا يُخالف.ولا يمكن إصلاح هذا السّلوك إلّا بتطبيق قوانين صارمة وغرامات كبيرة لكي يرتدع من تسوّل له نفسه تشويه المنظر الجميل للمجتمع.. وإنّ تطبيق العقوبة ضدّ المخالفين يجب أن يكون صارمًا وبشكل مكثّف حتّى يلتزم الجميع، ومن المفترض أن يحاسب كلّ شخص نفسه على تصرّفه. وهذا لن يتمّ إلّا من خلال التّوعية والحملات المكثّفة والعقوبات الصّارمة على المخالفين.إنّ رمي الأوساخ في الشّارع على وجه يضرّ النّاس ويؤذيهم لا يجوز من النّاحية الشّرعية بلا شك، عن أبي هريرة أنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال: “اتَّقُوا اللَّعَّانَيْنِ”، قالوا: وما اللَّعَّانَانِ يا رسول الله؟، قال: “الَّذِي يَتَخَلَّى فِي طَرِيقِ النَّاسِ، أَوْ فِي ظِلِّهِمْ”، قال النّووي رحمه الله تعالى: “فمعناها والله أعلم اتّقوا فعل اللّعّانين أي صاحبي اللّعن وهما اللّذان يلعنهما النّاس في العادة والله أعلم... وما نهى عنه في الظّل والطّريق لما فيه من إيذاء المسلمين بتنجيس مَن يمرّ به ونتنه واستقذاره والله أعلم” انتهى من ‘شرح صحيح مسلم 3/162’.والمسلم مُطالب شرعًا أن يحرص على نظافة الشّوارع وأن لا يلقي النّفايات إلّا في حاوياتها المخصّصة لها، لأنّ الشّرع يحضّ على النّظافة، وفي الحديث: “الإيمان بِضْعٌ وسبعون شُعبة، فأعلاها قول لا إله إلّا الله، وأدناها إماطة الأَذَى عن الطّريق”.وإماطةَ الأذى عن الطريق من أبواب الخير الّتي يقصِدُ بها المسلم رضا الله تعالى، وبالسّعيِ إلى فعل الخير يَحظَى المسلم بالفلاح، قال الله سبحانه: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ارْكَعُوا وَاسْجُدُوا وَاعْبُدُوا رَبَّكُمْ وَافْعَلُوا الْخَيْرَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ} الحجّ:77.ولإماطة الأذى عن الطريق فضل عظيم كما ورد في السُّنّة النّبويّة المطهّرة، منها:من أسباب دخول الجنّة: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: “لقد رأيت رجلًا يتقلّب في الجنّة في شجرة قطعها من ظهر طريق كانت تؤذي المسلمين” رواه مسلم.سبب لمغفرة الذّنوب: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: “بينما رجل يمشي بطريق وجد غصن شوك على الطّريق فأخّره، فشكر الله له فغفر له”.نشير في الختام إلى قانون يثير الاهتمام في سنغافورة يعاقب من يلقي النفايات في الشوارع بعقاب غريب. وفي حال تمّت إدانة شخص ما برمي النّفايات ثلاث مرّات، فسيكون عليه تنظيف الشّوارع أيّام الأحد وهو يرتدي زيًا يكتب عليه “أنا ألقي النّفايات”، ويتمّ تداول العملية العقابية على مواقع الأخبار المحلية.*إمام مسجد عمر بن الخطّاب، بن غازي - براقي
مقال مؤرشف
هذا المقال مؤرشف, يتوجب عليك الإشتراك بخطة الممتاز+ لتتمكن من الإطلاع على المقالات المؤرشفة.
تسجيل الدخول باقة الاشتراكات