+ -

أخطأتُ ليلةً من ليالي رمضان -غفر الله لي- إذ أخذني الفضول، فمررتُ مرورًا سريعًا على الفضائيات الجزائرية أنظر ما تبُتّ وتُذيع، ولم أَفْجَأْ بما شاهدت ولم أُصدم، ولكن أصابني الغثيان والقرف ممّا رأيتُ من سماجة المظهر، وسماجة القول، وسماجة الجوّ، وسماجة المستوى.. جلساتُ لغو وفراغ، غاب عنها الحياء، وحضرت (قلة لَحْيَا)، لا تمثّل روح الجزائر العميقة، ولا تتناسب مع روح رمضان العظيمة.فقلت في نفسي: ماذا ستخسر هذه الفضائيات لو تابت في شهر رمضان توبة نصوحًا؟، وقصرت بثّها على الجاد المفيد؟، ولا أقول على البرامج الدّينية، بل مختلف البرامج الجادة النّافعة في مختلف المواضيع والمجالات، تعظيمًا لشهر الله المبارك، واحترامًا لغالبية الأسر الجزائرية المحافظة، ورعيّا للتّقاليد الحسنة المتوارثة؟. أليس هذا سيكون أفضل من برامج اللّغو واللّهو والغثاء والفكاهة السّخيفة وأخبار الفن والعفن؟!، ماذا عليها لو تابت شهرًا واحدًا من السنة؟!، وخصّته بما يليق به من حصص وبرامج ومسلسلات وأفلام... ما دامت السّنة كلّها مزحومة مزكومة بتلك البرامج السّمجة!.إنّني أتألم حقّا وآسى وأأسف لإخواني الفنانين والفنانات والإعلاميين والإعلاميات الّذين يشاركون في تلك البرامج (والبلاطوهات)، فيشغلون ليالي رمضان المبارك باللّغو واللّهو، وفي الكلام الفارغ، والمجالس الّتي تعافها النّفوس الكريمة، وخاصة المشاركات اللّاتي يأتين في كامل الزّينة وكأنّهنّ ذاهبات لعرس!. في الوقت الّذي يكون غيرهم من النّاس بين راكع وساجد وتالٍ لكتاب الله تعالى [طبعًا أعلم أنّ الكثير منهم يقوم بهذه الأمور خارج وقت عملهم والحمد لله، تقبّل الله منهم ومنّا]، ولكنّي أتكلّم تحديدًا على أيّام وليالي رمضان المباركات، ووقت صلاة التّراويح، ذلك أنّ عدم صلاتها شيء، فهي مندوب وليست فرضًا، وتركها من أجل المشاركة في برامج خادشة للحياء، أو فارغة خاوية على أقلّ تقدير فهو شيء آخر، والأخطر في ذلك كلّه أنّها تدلّ على عدم تعظيم شهر رمضان وقد عظّمه الله تعالى تعظيمًا كبيرًا.لقد أوقفت الرّقابة بثّ مسلسل تجاوز الحدود ولم يراعِ الأصول، وأولى بهذه الرّقابة أن تلتفت إلى هذه (البلاطوهات) التّي يتكرّر فيها يوميّا تجاوز الحدود والأصول والحياء والمقبول، والأولى من ذلك أن تتوب الفضائيات في هذا الشّهر على الأقلّ، والأولى من كلّ ذلك أن يترفّع إخوانُنا الفنانون والفنانات والإعلاميون والإعلاميات عن المشاركة في مثل هذه البرامج خارج رمضان وفي رمضان خصوصًا، وأن يتمسّكوا بخُلُق الحياء، فقد قال صلى الله عليه وسلم: “إنّ لكلّ دين خُلُقًا، وإنّ خلقَ الإسلامِ الحياءُ”، وأن يعظّموا ما عظّم الله تعالى من شعائر وأزمان: “ذَلِكَ وَمَنْ يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ فَإِنَّهَا مِنْ تَقْوَى الْقُلُوب”، “ذَلِكَ وَمَنْ يُعَظِّمْ حُرُمَاتِ اللَّهِ فَهُوَ خَيْرٌ لَهُ عِنْدَ رَبِّه”، وأن يحذروا أن يكونوا ممّن يشملهم قول الله تبارك وتعالى: “إِنَّ الَّذِينَ يُحِبُّونَ أَنْ تَشِيعَ الْفَاحِشَةُ فِي الَّذِينَ آمَنُوا لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لَا تَعْلَمُون”. وأن يحترموا غالبية الأسر الجزائريّة، أقول الغالبية لأنّي أعلم أنّ ثمّت شرخًا في مجتمعنا إذ وجد فينا ومنّا أسرٌ لا تمت للجزائر بصلة إلّا النّسب والولادة والمعيشة وجواز السّفر، ولكنّها تبقى أقلية، أمّا الغالبية فلا تزال محافظة على هُويتها ودينها وتقاليدها وجزائريتها، ومن حقّها أن تُحترم، ويُحترم ما تحترمه. وما هذه إلّا نصيحة والحرّ تكفيه الإشارة!.*إمام وأستاذ الشّريعة بالمدرسة العليا للأساتذة

مقال مؤرشف


هذا المقال مؤرشف, يتوجب عليك الإشتراك بخطة الممتاز+ لتتمكن من الإطلاع على المقالات المؤرشفة.

تسجيل الدخول باقة الاشتراكات