38serv
من الظّواهر السّلبية الّتي ما فتئت في الانتشار، وتزداد للأسف في شهر رمضان، ظاهرة التّحايل في العمل، والّتي تأخذ أشكالًا عديدة، منها: عدم الالتحاق في الوقت بأماكن العمل، الخروج المبكر منها، عدم أداء الواجبات المطلوبة، قضاء أوقات العمل في الدردشة مع الزملاء، إهمال المهام المرتبطة بالمنصب، عدم احترام المواصفات والمقادير التقنية، التّجوّل في أروقة العمل وترك الزّبائن في الانتظار، استخدام الحواسيب للعب والاتصال عبر شبكات التواصل... وهي ممارسات تندرج ضمن طائلة عدم إتقان العمل، الغشّ المنهي عنهما.شدّد الإسلام على إتقان العمل واعتبر ذلك سببًا وطريقًا للحصول على محبّة الله، قال صلّى الله عليه وسلّم: “إنّ الله يحبّ إذا عمل أحدكم عملًا أن يُتقِنُه”. والحقيقة أنّ إتقان العمل هو تحقيق لأحد المقاصد من وجود الحياة والموت، فالله سبحانه يقول {الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا}. وأحسن العمل هو العمل الّذي يأتي به صاحبه وفق المعايير والمتطلّبات.إنّ الاختلاف في أعمال النّاس والمجتمعات، لا يرتبط بمدى ممارسة للنّشاط الاقتصادي أو أدائهم العمل بقدر ما يرتبط بالكيفية والطريقة الّتي يؤدّون بها الأعمال ومستوى جودتها، ومدى التزاماهم بالمواصفات والمعايير سواء في العمل أو في طريقة تقديم المنتجات، أو في مدى قدرة هذه المنتجات على إشباع الحاجات. ولأهمية الإتقان جعله الله صفة من صفاته فقال تعالى: {صُنْعَ اللهِ الَّذِي أَتْقَنَ كُلَّ شَيْءٍ إِنَّهُ خَبِيرٌ بِمَا تَفْعَلُونَ}.إنّ الحرص على إتقان العمل والابتعاد عن التّحايل في ممارسته، ينطلق من عدّة اعتبارات أبرزها:- تفادي الحصول على مكاسب مالية غير مستحقّة؛ لأنّ الأصل في عوائد العمل أنّها تكون في مقابل العمل المنضبط والسّليم، وإلّا تحوّلَت إلى أكل لأموال النّاس بالباطل.- عدم التّعوّد على الممارسات غير السّليمة في العمل، ممّا يكسب الإنسان العادات السّيّئة الّتي تلطّخ سمعته بين النّاس، وفي الأوساط المهنية، فإحسان العمل أهمّ من كثرته، حتّى وإن كانت الكثرةُ مطلوبةً، لكن الأهم من الكثرة إحسان العمل.- نظرة الإسلام للعمل بأنّه عبادة، والعبادة لا تقوم إلّا على الإخلاص، والشّعور بمراقبة الله الدّائمة للعبد.- التّكلفة المرتفعة والمرتبطة بعدم الإتقان؛ مثل تفويت الإنسان على نفسه فرصة تطوير مهاراته ممّا يحول دونه والتّرقية وتحسين مركزه الوظيفي ومستواه المعيشي، المساهمة السّلبية في تطوير المؤسسة وفي تنمية الاقتصاد، الإساءة إلى سمعة المؤسسة في السّوق ممّا يقلّل من تنافسيتها.-الحرص على الأمانة، فالمنصب والمسؤولية أمانة تقتضي الوفاء بمقتضياتها على الشّكل المعروف، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم “كلّكم راع وكلّكم مسؤول عن رعيته”.-احترام القانون، فينبغي للموظف الإذعان لجميع القوانين والتّشريعات المعمول بها الّتي تخضع لها المؤسسة وتضبط ممارسة المهنة أو الوظيفة.-تفادي الخضوع للإجراءات التّأديبية الّتي قد تصل إلى الفصل من العمل، إذ يقع العمال الّذين لا يلتزمون بمتطلّبات بمسؤولياتهم تحت طائلة الإجراءات التّأديبية.- تجنب تراكم الأخطاء ومخلّفات انعدام الجودة الّتي يمكن أن تقود إلى كوارث قد تطال مجتمعًا أو مجتمعات بكاملها، ممّا يجعل المسؤولية كبيرة على عاتق صاحبها والمؤسسة الّتي ينتمي إليها.*مدير مخبر العولمة والسياسات الاقتصادية، جامعة الجزائر 3
مقال مؤرشف
هذا المقال مؤرشف, يتوجب عليك الإشتراك بخطة الممتاز+ لتتمكن من الإطلاع على المقالات المؤرشفة.
تسجيل الدخول باقة الاشتراكات