إنَّ الوقت من أندر الموارد وأغلاها، ولئن قال القائل: ”الوقت من ذهب”؛ فإنَّ هذا في الحقيقة بخس لقيمة الوقت؛ بل الوقت هو الحياة، هو المادة الّتي صنعت منها الحياة؛ فالإنسان مرتبط بالوقت ارتباطًا ثمينًا منذ ولادته -بل منذ أن كان جنينًا في بطن أمّه- حتّى وفاته.وما الإنسان إلّا بضعة أيّام، كلّما انقضى يوم انقضى بعض منه، وما من يوم ينشق فجره إلّا وينادي -بلسان الحال-: ”يا ابن آدم، أنا خلق جديد، وعلى عملك شهيد؛ فتزوّد منّي فإنّي لا أعود إلى يوم القيامة”.وقد اهتمّ ديننا الحنيف بالوقت؛ حيث تناوله القرآن الكريم في آياتٍ عدّة، كما في قوله تعالى: {وَسَخَّرَ لَكُمُ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ} إبراهيم:33. وأقسم الله سبحانه بالزّمن كما في قوله تعالى: {وَالْعَصْرِ إِنَّ الْإِنْسَانَ لَفِي خُسْرٍ} العصر:1-2؛ ممّا يدلّ دلالةً واضحة على أهمية عظيمة.كذلك اهتمّت السُّنّة النّبويّة الشّريفة بالوقت، ومن ذلك قول الرّسول صلى الله عليه وسلم: ”نعمتان مغبونٌ فيهما كثيرٌ من النّاس: الصحّة والفراغ” رواه البخاري.كما كان للسّلف الصّالح اهتمامٌ بالوقت؛ ومن ذلك قول ابن مسعودٍ رضي الله عنه: ”ما ندمتُ على شيءٍ ندمي على يومٍ غربت شمسه، نقص فيه أجلي، ولم يزد فيه عملي”. ويقول الحسن البصري رحمه الله: ”أدركتُ أقوامًا كانوا على أوقاتهم أشدّ منكم حرصًا على دراهمكم ودنانيركم”.وإذا كان الوقت بهذه القيمة الغالية؛ فإنّ قيمته تزداد في مواسم محدّدة عن بقية أوقات العام، ومن أعظم تلك المواسم على الإطلاق: شهر رمضان؛ ففيه السّوق قائمة والرّبح وفير والأجر في ازدياد؛ فهو خير الشّهور، وفيه ليلة القدر الّتي هي خير من ألف شهر، من حُرم خيرها فقد حُرم، ولله عزّ وجلّ في كلّ ليلة من ليالي رمضان عتقاء من النّار؛ فحريٌّ بكلّ مسلمٍ أو مسلمةٍ أن يحسن استثمار كلّ دقيقة بل كلّ لحظة من لحظات هذا الشّهر العظيم.وممّا قد يعين المرء على حسن اغتنام الوقت -وخاصة في رمضان- الأمور الآتية:الخوف من الله تعالى وخشيته ومراقبته.تذكّر الموت؛ فإنّ الإنسان إذا تذكّر الموت مع جهله بالزّمان والمكان الّذي سيفاجئه فيه، كان ذلك أدعى لحرصه على حسن الخاتمة؛ فيدفعه ذلك لشغل وقته بالصّالحات.صحبة الصّالحين ذوي العقول السّليمة والهمم العالية، والأوقات المستثمرة.. الّذين تُذَكِّرُكَ بالله رؤيتهم، ويزيد في علمك منطقهم، ويُذَكِّرُكَ بالآخرة عملهم.. الّذين تحيا القلوب بذِكرهِم وإن كانوا أمواتًا، لا من تموت القلوب بمخالطتهم وهم أحياء.معرفة قيمة الوقت وأهمّيته وأنّه محاسب عليه، يقول صلى الله عليه وسلم: ”لا تَزُولُ قَدَمَا عَبْدٍ يَوْمَ الْقِيَامَةِ حَتَّى يُسْأَلَ: عَنْ عُمْرِهِ فِيمَا أَفْنَاهُ، وَعَنْ عِلْمِهِ فِيمَا فَعَلَ، وَعَنْ مَالِهِ مِنْ أَيْنَ اكْتَسَبَهُ وَفِيمَا أَنْفَقَهُ، وَعَنْ جِسْمِهِ فِيمَا أَبْلاَهُ” رواه الترمذي وقال: حديث حسن صحيح.وفي الختام فإنّ الدّنيا ساعة؛ فاجعلها طاعة، اجعلها طلب معرفة، أو عملًا صالحًا، أو أمرًا بمعروف، أو نهيًا عن منكر، أو مطالعة كتاب، أو حركة نحو الخير للنّاس، ولنبادر بالأعمال الصّالحة، ولنسع في أن نستغلّ أوقاتنا أحسن الاستغلال. أسأل الله ربّ العرش العظيم أن يباركَ في أوقاتنا، وأن يجعلَ عملنا خالصًا لوجهه الكريم.إمام أستاذ مسجد البشير الإبراهيمي - المدنية - الجزائر
مقال مؤرشف
هذا المقال مؤرشف, يتوجب عليك الإشتراك بخطة الممتاز+ لتتمكن من الإطلاع على المقالات المؤرشفة.
تسجيل الدخول باقة الاشتراكات