"مشكلة الفقر لم ولن تحلّ يومًا بسياسة تسكين ألم الجوع والبرد"

+ -

أكّد رئيس الهيئة الشّرعية لمصرف السّلام الجزائر، الدكتور عزّ الدّين بن زغيبة، أنّ “مشكلة الفقر ليست مشكلة جزائرية بل هي موجودة في العالم كلّه وعبر التاريخ ولكن حجمها يختلف من مجتمع إلى آخر”، وقال في حوار خصّ به ‘الخبر’ أنّ مسبّبات هذه المشكلة ترجع إلى “غياب العدالة اجتماعية والعدالة في توزيع الثروة، والتّكافؤ في فرص العمل” وأضاف “يدخل في هذا الباب قلّة موارد الدولة في تلبية جميع متطلّبات المجتمع الضّرورية وكذلك تقاعس الشّرائح الميسورة في المجتمع عن أداء واجباتهم الشّرعية والاجتماعية وما يلحقّ بها وضعف التّمويل للجمعيات الخيرية العاملة في هذا المجال وتغوّل حبّ الذّات والمصلحة الشّخصية على المصلحة العامة والأمن الاجتماعي وغيرها من الأسباب”.تعاني الجزائر كباقي دول العالم الإسلامي من مشكلة الفقر، ما هي العوامل التي ساعدت على تفاقمه؟ إنّ مشكلة الفقر ليست مشكلة جزائرية بل هي موجودة في العالم كلّه وعبر التاريخ ولكن حجمها يختلف من مجتمع إلى آخر وترجع مسبّبات هذه المشكلة إلى غياب العدالة اجتماعية والعدالة في توزيع الثروة والتّكافؤ في فرص العمل، لأنّ العدل أس العمران وعمود نظامه وعدم قدرة الدولة أو امتناعها لأيّ سبب كان من تمكين كلّ محتاج من الوصول إلى حقوقه الأساسية (الحق في التعليم الجيّد والحقّ في تغطية صحية ملائمة والحقّ في قضاء عادل والحقّ في العيش الكريم) دون الحاجة إلى بذل أيّ شيء مادي أو معنوي أو واسطة للوصول إلى ذلك الحقّ.ويدخل في هذا الباب قلّة موارد الدولة في تلبية جميع متطلّبات المجتمع الضّرورية وهذا لا ينطبق على الجزائر وكذلك تقاعس الشّرائح الميسورة في المجتمع عن أداء واجباتهم الشّرعية والاجتماعية وما يلحقّ بها، وضعف التّمويل للجمعيات الخيرية العاملة في هذا المجال، وتغوّل حبّ الذّات والمصلحة الشّخصية على المصلحة العامة والأمن الاجتماعي وغيرها من الأسباب.لماذا برأيكم لم تنجح سياسة الجزائر للحدّ من الفقر؟ إنّ سياسة الجزائر في مكافحة الفقر والحدّ منه رغم ما بذلته من جهود وما صرفته من أموال لم تأت أكلها حتّى الآن، ولم يشعر المجتمع يومًا أنّ الدولة لديها نظامًا محكمًا تتصدّى به لمشكلة الفقر حيث يركن إليه المجتمع ويطمئن به ويأنس، لأنّ الحدّ من مشكلة الفقر لم ولن تحلّ يومًا بسياسة تسكين ألم الجوع والبرد بصفة مؤقتة، أو شراء السّلم الاجتماعي عند الحاجة إليه أو إرسال قوافل المساعدات الغذائية إلى المناطق الداخلية والعميقة في المناسبات أو عند حدوث الجوائح والطوارئ، كما أنّ الحدّ من الفقر لن يكون بإحصاء عدد الطرود الغذائية الّتي توزّع على المحتاجين ولا بعدد موائد الرّحمن المقامة هنا وهناك في شهر رمضان المبارك، وغيرها من المسكّنات.كيف السّبيل إلى القضاء على ظاهرة الفقر؟إنّ السّبيل لإقامة مصالح ضعاف النّاس في المجتمع والمحتاجين منهم وقضاء حوائجهم الّتي لا تستقيم حياتهم العادية إلّا بتمامها، يتطلّب وجود نظام قويّ وراسخ يقوم على مؤسسات قادرة ذاتيًا على الإنفاق على كلّ مواطن محتاج دون تمييز بمقادير تلبّي الحدّ الأدنى للعيش الكريم وبصورة دائمة وعامة، حيث يستمرّ معها الإنفاق بمقادير متماثلة في سائر الأوقات.وإنّ من أعظم هذه المؤسسات في المواساة قدرًا، وأكثرها في النّاس أثرًا الأحباس (الوقوف)، لدوام نفعها وعمومه في الخلق، ولم يكن أهل الجاهلية يعرفونه ولكنّه عمل استنبطه رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، لمصالح لا توجد في غيره من الصّدقات والتّبرعات، لأنّ النّاس قد يصرفون في سبيل الله مالًا كثيرًا، ثمّ يفنى وينتهي فيحتاج الّذين صرف عليهم ذلك المال إلى مال آخر، ثمّ يأتي أقوام آخرين من الفقراء والمساكين ويبقون محرومين، فلا أحسن ولا أنفع للعامة من أن يكون لهم وقفًا تصرف منافعه على فقرائهم وذوي الحاجة منهم، ويبقى أصله على ملك الواقف.ويمكن للدولة أن تسلك عدّة مسالك لحلّ هذه المشكلة والخروج من تبعات أثقالها على النّحو الآتي مختصرًا:1- أن تقوم وزارة التّضامن بإعداد بطاقة وطنية حول الاحتياجات الاجتماعية في كامل التراب الوطني.2- أن توقف الدولة من خلال الخزينة العمومية مبلغًا لصالح إنشاء مؤسسات وقفية استثمارية في كلّ ولاية كلّ حسب احتياجاتها، حيث تكون عوائدها الاستثمارية لصالح فقراء الولاية وأصلها يبقى قائمًا للدولة تحت إشراف وزارة التّضامن، كما تقتطع نسبة من تلك العوائد لتغطية رواتب الموظفين وحاجات المؤسسة اليومية، وهذا لا إشكال فيه لأنّه يجوز لولي الأمر أن يبني أوقافًا من مال بيت المال لصالح المسلمين كما جاء في كتاب المعيار للونشريسي.3- أن تقوم وزارة التّضامن بإصدار صكوك إسلامية وطنية بشروطها الشّرعية تجمع من خلالها المبلغ اللازم لبناء المؤسسات الوقفية الاستثمارية المشار إليها أعلاه مع التّفاصيل التنفيذية الّتي يعلمها أهل الاختصاص.4- أن تقوم وزارة التّضامن بعد الدّراسات اللازمة بالإعلان عن المشاريع الوقفية الاستثمارية لصالح المحتاجين في كلّ ولاية والمبالغ المستحقّة لها، ثمّ تطلب من سكان كلّ ولاية التّبرّع لصالح مشروعهم الوقفي والولايات الّتي لم يكتمل فيه المبلغ بالتّبرعات تكمله الدولة من الخزانة العمومية.5- ويعزّز هذه المؤسسات في عملها ويرافقها صندوق الزّكاة، حيث يتحمّل عنها الحالات الصعبة ذات الاحتياج السّريع الّذي يفوق نفقات الوقف المخصّصة للأفراد أو العائلات أيّ مصاريف الزّكاة المحدّدة شرعًا، كما يعضده فيما يدخل تحت باب مصاريف الزّكاة عند حدوث عجز في موارد تلك المؤسسات أيًا كانت أسبابه.هل تعتقدون أنّ عدم دفع أموال الزّكاة لمستحقيها يساهم في زيادة معدلات الفقر؟نعم لأنّ إقامة مصالح ضعاف المسلمين وقضاء حاجات المعوزين وسدّ خلّة الفقراء منهم وإجابة المضطرين هو مقصود الشّريعة الأعظم من أعمال البرّ والتّبرعات، ولذلك جعل الله بعض وجوه الإنفاق حقّ له في أموال أصحاب الفضل ليعودوا بها على المحتاجين ويدفعوا بها ضرورات المضطرين فكانت من باب الواجبات؛ كالزّكاة وما يلحق بها كما قال صلى الله عليه وسلم “في المال حقّ سوى الزّكاة”، وبناء عليه فإنّ أداء الزّكاة في المحلّ غير المقصود شرعًا لا يعدّ إخراجًا لها، لتضرّر الفقراء بذلك، لأنّ القول بإجزاء أخذها نافع للأغنياء مضرّ للفقراء، ودفع المفسدة عن الفقراء أولى من دفع المفسدة عن الأغنياء، وإن شئت قلت مصالح الفقراء أولى من مصالح الأغنياء، لأنّهم يتضرّرون بعدم وصول نصيبهم من الزّكاة مالًا يتضرّر به الأغنياء من تأدية الزّكاة، وإخراجها عن مقصودها ليس أمرًا محصورًا في ولاة الأمور، بل قد يقع من أصحابها، كالّذي يدفعها إلى مَن تجب عليه نفقته لتكون عوضًا عن النّفقة فقد عطّل بذلك المقصود منها فصارت عبثًا.ولمّا كانت تلك الواجبات قد لا تفي بحاجات ذوي الحاجات ندب الشّرع الكريم إلى جملة من التّصرّفات لتكون عونًا على إقامة المقصود الأعظم واستكمالًا لهيئته وإتمامًا لنفوذه، ولأجل هذا شرعت الأحباس (الأوقاف) والوصايا والعواري والصّدقات والهدايا والضّيافات والمسامحة ببعض الأعواض، وجميع أنواع التّبرعات، حيث جعلت المصلحة العاجلة في هذه التّصرّفات للقابلين القابضين الّذين هم أحوج إليها في دار الغرور، وجعلت المصلحة الآجلة للباذلين المنفقين الّذين هم أحوج إليها في دار القرار.   

مقال مؤرشف


هذا المقال مؤرشف, يتوجب عليك الإشتراك بخطة الممتاز+ لتتمكن من الإطلاع على المقالات المؤرشفة.

تسجيل الدخول باقة الاشتراكات