لا تتحدد الهزيمة أو النصر في الحروب الهجينة الحديثة على نوعية الذخيرة الحية والقوة النارية التي يتم استخدامها فقط، بل تتحدد أيضا بنوعية الذخيرة الإعلامية والإلكترونية ومدى نجاعتها في إرباك الخصوم وكمية الفيض المعلوماتي السائل الذي يتم ضخه للسيطرة على العقول والوعي الجمعي، في خضم معركة كسب الرأي العام وتوجيهه لتبني موقف معين وحشد التعاطف والدعم، أو دفعه لمعارضة الطرف النقيض وتأليبه عليه ومناهضته، إضافة إلى كسر الخصم نفسيا وبث روح الهزيمة فيه قبل أن تفعل فوهات البنادق فعلتها، وهذه الحرب باتت تشكل قطب الرحى في أي صراع ينشب بين دولتين أو أكثر، وتكون إما قبلية أو خلال أطوار الحرب، وتشمل وسائل الإعلام التقليدية والإعلام الحديثة في إطار ما يسمى الحرب السيبرانية، حيث كل شيء مسموح وغير ذي قيمة أخلاقية أو مهنية، حيث يشكل الانهيار المعلوماتي (الأخبار الكاذبة، المعلومات المضللة، الشك المعمم، القرنصة والهجمات الإلكترونية، التغطيات الإخبارية المنحازة.. الخ) النتيجة المباشرة لهذه الجبهة التي تتطلب إستراتيجية مضبوطة وخطط مدروسة، يهندسها وينفذها خبراء وأخصائيون قادرون على تحقيق الأهداف المطلوبة.
لقد شهدت الحرب الروسية الأوكرانية، منذ بدايتها بتاريخ 24 فيفري الماضي، توظيفا مكثفا ومتنوعا لوسائل الإعلام ووسائط التواصل الاجتماعي، في إطار ما يسميه المفكر الكوني الفلسطيني الأصل "إدوارد سعيد" بصراع السرديات، ونعني بها هنا المسوغات التي ساقها كل طرف لتبرير دوافعه ومواقفه من الحرب والسياسة التي ينتهجها، حيث حاولت كل سردية فرض نفسها على الأخرى وإقناع الرأي العام المحلي والعالمي بالحقيقة التي تراها تخدم أجنداتها في هذه الحرب، مع السعي الحثيث من أجل منع تدفق الحقيقة المضادة التي تأتي من الطرف الثاني، متوسلة في ذلك بأدوات ووسائل تقنية هجومية وعقوبات قانونية وعمليات حجب مست الكثير من وسائل الإعلام، خاصة الروسية منها، ما دفع بالمفكر والفيلسوف الفرنسي، إدغوران موران، وبنبرة قلقة في تدوينة له بصفحته على موقع تويتر، إلى اعتبار أن العالم دخل حربا إلكترونية عالمية، تمثل روسيا طرفها الأول والغرب الملتف حول أوكرانيا طرفها الثاني، في أسوء أزمة بين الطرفين منذ نهاية الحرب الباردة قبل ثلاثين عاما.
مقال مؤرشف
هذا المقال مؤرشف, يتوجب عليك الإشتراك بخطة الممتاز+ لتتمكن من الإطلاع على المقالات المؤرشفة.
تسجيل الدخول باقة الاشتراكات