أقدمت الأمم المتحدة، قبل أيام قليلة، على اتخاذ قرار تاريخي باعتماد يوم عالمي ضدّ الإسلاموفوبيا سيصادف اليوم 15 من شهر مارس من كلّ عام.وإذا كنّا نرحّب بهذا القرار الجريء، نضمّ صوتنا إليه بتعزيز الجهود الدولية لتشجيع حوار دولي لترسيخ ثقافة التّسامح والسّلام العادل للجميع، والاحترام المتبادل، ونبيّن بوضوح أنّ الإرهاب لا دين له ولا يجوز ربطه بأيّ دين سماوي، مؤكّدين على أنّ الإسلام هو دين الرّحمة للعالمين، قال تعالى {وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِّلْعَالَمِينَ}، وأنّه دين السّلام والحرية واحترام الغير مهما كان أصله ولونه.وعبر عصور ماضية اتّبع رواد بارزون في الغرب منهجية كراهية الإسلام في مخاطبة شعوبهم، ويسجّل تاريخ الغرب وقائع كثيرة تحضّ على كراهية الإسلام والمسلمين والتّهجّم على رسولهم الأمين، وتتجلّى في أفضل إصدارات الغرب خلال العصر الحديث الصّورة القميئة للعداء عن الإسلام، وهو كتاب “صدام الحضارات” لصمويل هنتنغتون.ويزداد العداء للإسلام لدى اليمين الغربي خاصة بعد انتشار الدّين الإسلامي وزيادة نسبة الالتحاق به في أمريكا وفرنسا وألمانيا وبريطانيا، وأكّدت تلك النتيجة أكثر من دراسة أجرتها معاهد بحثية في أوروبا.إنّ خطر هذه الظّاهرة يتعاظم ويهدّد وجود السّلم العالمي، مُخلِفًا تداعيات سياسية واقتصادية واجتماعية وثقافية جسيمة، فضلًا عن كونه وقودًا يشعل مواجهات مستمرّة على أصعدة عديدة، الأمر الّذي يتطلّب التّدخّل بشكل عاجل لإقرار وصياغة وتنفيذ سياسات ومواقف عملية من شأنها إجهاض حروب الكراهية ووقف آلة الخوف والتّشويه. وبرغم الجهود الّتي تُبذل في سبيل إيضاح الصّورة «الصّحيحة» للإسلام، وتحديدًا في موقفه من المسائل الحرجة في العصر الرّاهن، إلّا أنّ النتائج عند الطرف الآخر لا تبدو دائمًا في أفضل الحالات.المراكز ودُور الأبحاث الرّصينة، وغير الرّصينة، الّتي تُعنى بدارسة ظاهرة الإسلاموفوبيا، أو الخوف من الإسلام، تُشير إلى أنّ المعضلة القائمة أمام جهود التّصحيح وإزالة المخاوف قد تكون حتّى الآن مفقودة وبعيدة عن الإدراك السّليم.
فكان لابدّ من رصْد الظّاهرة والبحث عن السّبل والآليات الكفيلة بالحدّ منها والتّصدّي لها؛ والعمل على تجاوز حدود التّشخيص والتّوصيف والانتقال إلى مستوى رسم الخطط والتّدابير لمواجهة حملات التّشويه الغربي لصورة الإسلام، وتعزيز فرص التّنسيق والتّعاون بين المنظمات والجامعات والمؤسسات العلمية والثقافية في العالم الإسلامي من أجل توحيد الطّاقات والجهود واستثمار أفضل السّبل والوسائل لتنفيذ البرامج المرتبطة بمهمّة مواجهة ظاهرة الإسلاموفوبيا.وإنّ لظاهرة الإسلاموفوبيا أسباب متعدّدة تتفاوت في أهمّيتها وقوّتها، بيد أنّها تتضافر فيما بينها لتشكيل الظّاهرة على النّحو الّذي تتراءى به. وأنّ هذه الأسباب بعضها خارجي تحرّكه دوائر تكره الإسلام وتعاديه، والبعض الآخر داخلي نابع من المسلمين أنفسهم نتيجة تشويههم للمظهر الحضاري الرّاقي للإسلام بأفعالهم وتصرّفاتهم المشينة الّتي تسيء للإسلام والمسلمين..هذا وإنّ هناك طرقا عديدة يمكن من خلالها مواجهة ظاهرة الإسلاموفوبيا، وتوضيح صورة الإسلام الصّحيح على مستوى العالم، منها:على علماء الإسلام واجب شرح تعاليم الإسلام الصّحيحة وتبيين الفرق بين الإسلام الحقّ والتّصوّرات المشوّهة الّتي تروّجها الجماعات المتطرفة في الغرب، وإبراز تلك الحقائق حول الإسلام بعدد من اللّغات المختلفة منها الإنجليزية والفرنسية والألمانية والإسبانية حتّى نستطيع الوصول لأكبر شريحة ممكنة.إزاء ذلك، ينطلق المحور السياسي من أهمية تواجد دور رسمي بارز من قبل الدول والحكومات العربية والإسلامية، إذ من الواجب على تلك الدول القيام بمسؤولياتها في الرد على تلك الاعتداءات من النّواحي القانونية، والتّواصل مع المنظمات الحقوقية الدولية، ومنظمات المجتمع المدني في الغرب، والعمل على الدّفع بمشروعات قوانين للبرلمانات الأوروبية والغربية تجرّم ازدراء الأديان، وارتكاب جرائم الكراهية، وتعاقب منفذي الأفعال والتّصريحات العدائية، بما يمنح إستراتيجية المواجهة ثقلًا إقليميًا ودوليًا يفرض القضية على الأجندة الدولية والمحافل العالمية.وضرورة إقامة مرصد ثقافي يُعنى برصد وتوثيق كلّ ما ينشر من إساءات أو إهانات أو شبهات، والتّواصل مع المعنيين بالأمر، والردّ عليهم بالوسائل المشروعة فكريًا وقانونيًا وإعلاميًا.ويبرز دور الإنسان المسلم في الغرب كعلاج وقائي للإسلاموفوبيا وتفشي تداعياتها، شريطة أن يُحقّق عملية اندماج ناجحة مع المجتمع الّذي يعيش فيه، ويحترم دستوره وقوانينه، دون التّنازل عن هُويته وقيمه ومبادئ دينه، ويعمل من أجل رفعته وإعماره. ويحتاج المسلمون في هذه المجابهة إلى عمل مؤسسي منظّم تقوم به مؤسسات ومراكز دراسات حتّى يكون له الأثر المرجو في مستويات متعدّدة، على اعتبار أنّ الجهود الفردية تظلّ غير قادرة على تفعيل آليات المواجهة والردّ والتّصحيح، هذه المواجهة هي بالدرجة الأولى مواجهة فكرية، والفكر لا يقابل إلّا بفكر.ندعو إلى تحقيق الحوار الجاد والسّلم العالمي للوصول إلى تحقيق الخير والسّلام للجميع وصناعة بيئة الحوار والتّفاهم والتّعارف بين البشرية جمعاء.. وبذلك يعيش الجميع في أمن وآمان وسلم وسلام... يقول تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ادْخُلُوا فِي السِّلْمِ كَافَّةً وَلَا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُّبِينٌ}.
مقال مؤرشف
هذا المقال مؤرشف, يتوجب عليك الإشتراك بخطة الممتاز+ لتتمكن من الإطلاع على المقالات المؤرشفة.
تسجيل الدخول باقة الاشتراكات