38serv
في مثل هذا الشهر من سنة 1994 قرر المجلس الأعلى للأمن بالجزائر، يوم 30 جانفي، تنصيب الجنرال المتقاعد اليامين زروال رئيسا للدولة بعد مشاورات سياسية وندوة الوفاق الوطني، واستجاب الجنرال لنداء الوطن والمؤسسة العسكرية واقتراحات صقور النظام للخروج من الأزمة الأمنية والدموية التي عاشتها الجزائر، واختار بعدها الجزائريون زروال في 16 نوفمبر 1995 رئيسا للجمهورية بعد انتخابات رئاسية تعددية لأول مرة منذ الاستقلال، بلغت فيها نسبة المشاركة أكثر من 74 بالمائة.❊يعدّ الرئيس السابق اليامين زروال من الشخصيات الوطنية والعربية التي تحظى باحترام كبير، بسبب مواقفه الشجاعة في أخطر أزمة مرت على الجزائر، فهو الذي تعامل بحنكة ورزانة كبيرتين مع الجماعات المسلحة، بعدما تمكّن من إقناع قياداتها، وأفرج عن بعضها، وساهم في نزول الآلاف ممن كانوا في الجبال، تطبيقا لنداء ”التوبة” الذي جاء في خطابه الشهير.”زروال” زعيم أوراسي في ثورة ثانيةيعتبر المتتبعون والمحللون للشأن الجزائري زروال من أهم الشخصيات السياسية والعسكرية التي مرت على الجزائر، وأتقنت حرب المدن وفن الاستخبار العسكري، حيث منح للجيش الجزائري خبرته الطويلة وجعله قوة عسكرية تتميز بالحذر والفطنة والذكاء. لقد أحس الجزائريون أن زروال نجح إلى حدّ بعيد في إعادة هيبة الدولة، رغم أن الأزمة في عهدته القصيرة كانت ثلاثية الأبعاد، فكان يحاور قادة الحزب المحظور من موقع قوة استمدها من إيمانه القاطع بأن الإنسان خلق ليعيش مرة واحدة. كانت خطاباته السياسية الممزوجة بكلمات العسكر تشير كلها إلى وجوب إخراج البلاد من الأزمة التي تعيشها وتجاوز كل الخلافات، حيث سنّ قانون الرحمة الذي كانت بوابة المصالحة الوطنية، وتمكن في فترته من إقناع آلاف المسلحين من وضع السلاح والاندماج داخل المجتمع. لم يكن مستبدا أو جهويا أو منفردا بقراراته، رغم أنه ابن المؤسسة العسكرية، لقد لبّى نداء الوطن حين قبل بمهمة انتحارية ومعقدة على كل الجبهات.خلال فترة رئاسته للبلاد عرفت الجزائر إبرام الكثير من صفقات التسلح، ساهمت في تجديد الترسانة الحربية، ورفع من مستوى كفاءة الجيش في مكافحة الإرهاب، من خلال تنظيم عدد من المناورات العسكرية في أكثر من مناسبة، وغلق الباب في وجه التدخل العسكري الأجنبي وأطماع الدول الغربية، بما فيها فرنسا التي واجهها بمواقف زعماء الجزائر الأحرار، وخلق ثقافة جديدة للمواطن في الدفاع عن نفسه وعائلته من خلال قوات الدفاع الذاتي والحرس البلدي الذين كان يعتبرهم ذخيرة الجيش ومصالح الأمن المشتركة. لا يحبذ التهريج الإعلامي والظهور الدائم على شاشات التلفزيون، غايته الوحيدة منذ مجيئه هو كيفية استعادة الأمن في الأرياف والمناطق المعزولة والغابات التي كان من المستحيل الدخول إليها، لكنه دخلها دون أن ينتابه الخوف من الاغتيال أو كمائن أعدائه.زروال كان مؤمنا بأن الأعمار بيد اللّه، مثلما ظل يردد، فهو الذي رفض أن يكون له حراس شخصيون بعد مغادرته قصر المرادية، إلا أن القوانين حتمت عليه التحرك بالبروتوكولات التي يتكالب عليها الوزراء. الرئيس السابق يعيش في هدوء بحي بوزوران في مدينة باتنة. الكل هنا يحترمه، يفضّل المناطق الطبيعية في مدينته، كمنطقة وادي الطاقة أو ما يعرف بـ«بوحمار”، وكذا المناظر الطبيعية والسياحية التي تتواجد بين منطقتي سريانة وواد الماء، ويفضّل سياقة سيارته لوحده، يهوى السباحة التي تعدّ الرياضة المفضلة لديه.وُلد الرئيس اليامين زروال يوم الثالث جويلية سنة 1941 بباتنة، ينحدر من قبيلة آيت ملول الأمازيغية، زاول دراسته بمدرسة ”ليماري”، المعروفة الآن بمدرسة الأمير عبد القادر، أحد أقدم المدارس الابتدائية بوسط مدينة باتنة، التحق بالثورة التحريرية المسلحة بجبال الأوراس وعمره لا يتجاوز 16 سنة، يعرف عن الرئيس أنه لا يفضّل كثيرا حضور الصراعات، حيث كان بعيدا عن الصراع الذي تبخّر خلال صيف 1962.الجنرال زروال حائز على شهادة في التكوين العسكري من دولتي الأردن والاتحاد السوفياتي، ما بين 1965- 1966، درس بكلية سان سير العسكرية بباريس، تقلد مناصب في المؤسسة العسكرية من بينها مدير المدرسة التطبيقية بباتنة سنة 1975، ثم في المنصب نفسه بالأكاديمية العسكرية لمختلف الأسلحة بشرشال عام 1981، ثم قيادة عدة نواحي عسكرية، تحصل على رتبة جنرال عام 1987، ثم عين قائدا للقوات البرية ثم نائبا لقائد الأركان العامة للجيش الوطني الشعبي عام 1989.تقلّد مناصب مهمة وسرعان ما استقالبدأت استقالات الرئيس السابق خلال مشواره المهني بتقديمه أول استقالة للرئيس الشاذلي بن جديد حين كان جنرالا في الجيش، بعد أن رفض هذا الأخير مشروع إعادة هيكلة الجيش، مفضلا مشروع آخر تقدم به اللواء خالد نزار في تلك الفترة، وتبين بمرور الوقت أنه أراد من خلال هذا المشروع خلق توجه جديد للجزائر، في التعامل مع مصادر التسليح الغربية، كخيار وبديل عن الشريك التقليدي الاتحاد السوفياتي.الاستقالة الثانية التي قدّمها زروال هي تطليقه للدبلوماسية، بعد شهور فقط قدرت بحوالي 9 أشهر من تعيينه سفيرا للجزائر برومانيا سنة 1990، حيث فضل العودة للجزائر سنة 1991 وتقديم استقالته في شكل رسالة مكتوبة بالفرنسية لوزير الخارجية آنذاك، الأخضر الإبراهيمي، مبررا ذلك بأنه يرفض العمل في منصب ويتقاضى عليه أجرة شهرية وهو غير مقتنع به ولا يجيده. قاطع حضور المناسبات الوطنية لمدة 15 سنةهل فعلا يوجد خلاف بين زروال وبوتفليقة؟ تساؤلات كثيرة وغموض كبير لفَّ غياب الرئيس السابق اليامين زروال عن الساحة السياسية والمناسبات الوطنية التي كان يحضرها رؤساء الجزائر قبل وفاتهم، على غرار أحمد بن بلة والشاذلي بن جديد وعلي كافي، فغياب زروال وتفضيله عدم الظهور، فسّره البعض على أنه راجع إلى خلاف يكون قد حدث بينه وبين الرئيس بوتفليقة الذي لطالما وصف الرؤساء الذين أتوا بعد الرئيس بومدين على أنهم ”رؤساء متربصون”، وهو ما يكون قد أثر في زروال الذي اعتبر ذلك ”تقليلا من قيمته، ومن الدور الذي لعبه في فترة دموية وضيق اقتصادي”، يضاف إلى ذلك أن الرئيس بوتفليقة تجاهل إنجازات سابقه، ولم يتطرق لها في خطاباته الكثيرة والطويلة.”التاريخ لم يبدأ سنة 1999” وتقول روايات سياسيين إن الرئيس زروال غضب من بوتفليقة أيضا، بعدما قام بتعديل الدستور الذي صوت عليه الشعب أثناء فترة حكمه، وهو ما جعل زروال يعلّق على كل هذه الاختلافات السياسية بمقولته الشهيرة إن ”التاريخ لم يبدأ سنة 1999”.وإذا كان هناك وجود خلاف بين الرجلين بتأكيد من جهات محلية من ولاية باتنة على أن زروال كان يسافر مباشرة عندما يعلم بأن بوتفليقة في زيارة إلى باتنة، فكيف يمكن تفسير حضور نجل الرئيس السابق في الصفوف الأمامية بقاعة مركّب أول نوفمبر بباتنة في أول أيام الحملة الانتخابية للعهدة الثالثة سنة 2009، حين اختار الرئيس بوتفليقة انطلاقها من باتنة، بعدما كان قد حيا حينها هذا الأخير الرئيس زروال من خلال تواجد ابنه عبد الكريم داخل القاعة.أهم المشاكل التي واجهها زروالالانهيار الاقتصادي كانت الجزائر في فترة زروال وأثناء تسلمه مقاليد الحكم تعيش أزمة اقتصادية خانقة، حيث وجدت السلطات العمومية صعوبة كبيرة في تسديد ديونها نتيجة تخريب وحرق الجماعات المسلحة للعديد من المرافق والمنشآت والمصانع، زد على ذلك عمليات الاختلاس التي تعرّضت لها بعض مؤسسات الدولة.وقد ساهم انخفاض أسعار النفط إلى معدلاتها القصوى وإلى ما يقارب 9 دولارات في تأزم الوضع الاقتصادي، ما سمح لصندوق النقد الدولي بفرض شروطه لتيقن مسؤوليه أن فرصة شدّ الخناق على الدولة الجزائرية قد حانت، ما ولد احتقانا اجتماعيا. وفرض حينها صندوق النقد الدولي على الجزائر تحرير الأسعار وتخفيض قيمة الدينار بنسبة 50 بالمائة ورفع دعم المواد الأكثر استهلاكا. ووجد المسؤولون أنفسهم ملزمين بتنفيذ تلك الشروط، ما تسبب في ارتفاع نسبة البطالة داخل المجتمع الجزائري.تدهور الوضع الأمني الصعوبات التي واجهها الرئيس زروال خلال فترة حكمه كانت على كل الجبهات، وكان أبرز محور هو الوضع الأمني وسقوط يومي لأبناء الشعب من كل الأصناف والأعمار البشرية. وعرفت تلك الفترة توسعا وانتشارا موازيا للجماعات المسلحة وعلى المستوى الوطني تقريبا، فأصبحت قوات الجيش والدرك والشرطة تسيطر على مناطق معينة في فترات النهار، بينما تسيطر عليها الجماعات المسلحة في الفترة الليلية.فشل الحل الأمني، وفق قاعدة ”الكل أمني”، جعل الرئيس زروال يصرح ويؤكد على أن الخروج من الأزمة سوف لن يكون سوى بالجلوس على طاولة الحوار، لكن سادة النظام حينها كانوا يؤكدون رفض ما اقترحه زروال، وطالبوا بتجسيد سياسة الضرب بيد من حديد، وتحركوا من منطلق استئصال جذور الجماعات الإرهابية وتصفية الحسابات، ما ولّد انقساما وسط الشارع الجزائري الذي لم يتقبل التناقض في التصريح والميدان. الاستقالة الثالثة كانت الثانية لرئيس عربي تاريخياكيف جاء زروال للسلطة؟ بداياتها كانت يوم 10 جويلية سنة 1993، حين عين اليامين زروال وزيرا للدفاع الوطني، باقتراح قدمه اللواء خالد نزار الذي كان يشغل هذا المنصب، وانسحب لأسباب صحية، في الوقت الذي كانت روايات متطابقة قد أشارت إلى أن انسحاب نزار كان بعد العملية الإرهابية التي استهدفته بالأبيار، وقد سعى زروال مباشرة بعد هذا التعيين في البحث عن أفضل السبل لوضع حدّ للأزمة الأمنية التي كانت في بداياتها، حيث اختار الحوار مع قادة الجبهة الإسلامية للإنقاذ المحظورة، وطالبهم بضرورة نبذ العنف ومحاربة الإرهاب بشتى أنواعه، وقد زار زروال شخصيا كلا من عباسي مدني وعلي بن حاج بسجن البليدة وجلس لمرات معهم على طاولة الحوار.في 30 جانفي سنة 1994 عيّن المجلس الأعلى للأمن زروال رئيسا للدولة، بعد ندوة الوفاق الوطني التي شارك فيها مختلف الأطياف السياسية وقيادات الأحزاب المختلفة، وتحمّل بعدها مسوؤلية قيادة الدولة في مرحلة انتقالية صعبة لمدة ثلاث سنوات، لكن لقناعته بأن المنصب الذي يشغله يتطلب تنظيم انتخابات رئاسية، بادر زروال إلى تحديد موعد لهذا الاستحقاق الرئاسي. وعرفت الجزائر يوم 16 نوفمبر 1995 أول انتخابات تعددية في تاريخها، تحصّل فيها زروال على نسبة 61,34 بالمائة، عن نسبة مشاركة وصلت إلى 74,24 بالمائة، أمام منافسيه المرحوم محفوظ نحناح عن حركة مجتمع السلم، ونور الدين بوكروح عن حزب التجديد الجزائري، وسعيد سعدي عن حزب التجمع من أجل الثقافة والديمقراطية.الجزائر في عهد اليامين زروالاستلم زروال دولة في مرحلة انهيار، نتيجة محاصرتها بالعديد من المشاكل السياسية والاجتماعية والاقتصادية والأمنية التي نبتت بعد إلغاء المسار الانتخابي، واختفاء شبه كلي للمؤسسات الدستورية، وتولت المؤسسة العسكرية أمور التعيين، كما حلّ البرلمان وعوّض بهيئة تشريعية جرى تعيين كل أعضائها، كما عين رؤساء بلديات جدد بدلا من أولئك الذين انتخبوا في استحقاق المحليات سنة 1991.أول تحدّ واجهه الرئيس السابق هو كيفية استعادة أمن وهيبة الدولة وتغليب لغة الحوار مع الإسلاميين، خصوصا مع قادة الحزب المحظور، للخروج من الأزمة، حيث اصطدمت محاولاته برفض رئيس حكومته آنذاك، رضا مالك، لفكرة الحوار مع زعيمي الجبهة الإسلامية للإنقاذ. وبين خيار الحوار والحل السياسي للوضع المتفجر الذي كانت تعيشه البلاد ونتج عنه أنهار من الدم التي طالت كافة مكونات وشرائح المجتمع، اعتمد زروال على منطقين في إستراتيجيته، فدحر الجماعات الإرهابية المسلّحة في الجبال بخلق فرق للدفاع الذاتي، وسنّ قانون الرحمة في أواخر سنة 1997 الذي أعطى نتائجه بـ”توبة” آلاف المسلحين.واجهته معارضة شرسة من رؤساء الأحزاب وبعض الجمعيات الوطنية والمجتمع المدني في قضية فتح الحوار مع قادة هذا الحزب، أبرزهم سعيد سعدي رئيس التجمع من أجل الثقافة والديمقراطية، والذي اقترح تسليح منطقة القبائل لمواجهة الجماعات المسلحة، وكذا جمعيات نسوية لتحالف البربر التي خرجت إلى شوارع الجزائر العاصمة مرددّة شعارات تحذّر زروال من التحاور مع ”الأصوليين”.لم ينتظر زروال طويلا، وقبل سفره للمشاركة في أعمال القمة المغاربية بالعاصمة التونسية عوّض رضا مالك بمقداد سيفي الذي كان يشغل منصب وزير التجهيز في تلك الحكومة، وأمره بتحضير نفسه لترؤس حكومة جديدة.أربع حكومات عملت تحت سلطتهعملت أربع حكومات تحت سلطة الرئيس اليامين زروال، فبعد حكومة رضا مالك التي شرعت في العمل في 21 أوت 1993 وغادرت في 11 أفريل 1994 بحضور قارب 233 يوم، جاء الدور على حكومة مقداد سيفي الذي شغل منصب وزير للتجهيز في الحكومة الأولى، حيث اختار سيفي حينها أسماء ثقيلة في حكومته، أبرزهم محمد الصالح دمبري كوزير للخارجية وأحمد بن بيتور كوزير للمالية ومراد بن أشنهو وزيرا لإعادة الهيكلة الصناعية وعمار مخلوفي وزيرا للطاقة والبروفيسور يحي ڤيدوم وزيرا للصحة ونور الدين بحبوح وزيرا للفلاحة وعمّرت هذه الحكومة عاما و230 يوم.وهي المدة نفسها تقريبا التي سيّرت فيها حكومة أحمد أويحيى مختلف القطاعات بعد حكومة سيفي التي رحلت مباشرة بعد الانتخابات الرئاسية في 16 نوفمبر سنة 1995. وقد كلف زروال أويحيى بإعطاء تركيبة حكومته في أسرع وقت، ووزع ابن التجمع الوطني الديمقراطي حقائبه الوزارية على أحمد عطاف الذي تولى وزارة الخارجية، ومولدي عيساوي كوزير للشباب والرياضة، وحسان العسكري وزيرا للتكوين المهني، وأحمد مراني وزيرا للشؤون الدينية، فيما قرر أويحيى الاحتفاظ بعدة وزراء من حكومة سيفي مع تجديد الثقة فيهم وإبقائهم في المناصب التي كانوا يشغلونها، على غرار يحيى ڤيدوم وزير الصحة وبن بيتور وبحبوح وبن أشنهو وبن بوزيد.آخر حكومة عملت مع الرئيس زروال كانت حكومة إسماعيل حمداني التي سيرت فترة قصيرة، بعدما قرر الرئيس بتاريخ 11 سبتمبر 1998 تقليص مدة عهدته والانسحاب من رئاسة البلاد، وهي الحكومة التي ضمت أسماء معروفة، على غرار عبد المالك سلال الذي تولى حقيبة الداخلية، وعبد المجيد مناصرة وزيرا للصناعة، وعمار تو وزيرا للتعليم العالي، وعزيز درواز في الشبيبة والرياضة، وعبد العزيز رحابي وزيرا للاتصال وناطقا رسميا باسم الحكومة.11 سبتمبر 1998 يوم المفاجأة الكبرىالرئيس يقرر الانسحاب وتقليص عهدته الرئاسية غادر الرئيس اليامين زروال قصر المرادية وهو في سن 58 عاما، بعد أن اتخذ قرار الانسحاب بطريقة مفاجئة لم يكن ينتظرها الرأي العام الجزائري ولا الطبقة السياسية، ولا حتى أقرب المقربين إليه ولا قادة مؤسسة الجيش.الخطاب الذي ألقاه الرئيس السابق يوم الجمعة الحادي عشر سبتمبر 1998، الذي وجّه للأمة بعثر كل الأوراق وأخلطها، وجاء مناقضا تماما للخطاب الذي ألقاه يوم 20 أوت من السنة نفسها، وهو الخطاب الذي وعد فيه زروال بالسهر على الحفاظ على تطبيق كافة قوانين الديمقراطية التعددية، ولم يشر حينها لإمكانية مغادرته منصبه أو حتى التلميح لذلك، كما أنه لم يتطرق لقضية فسح المجال للتداول على السلطة في ظرف حساس تمر به البلاد.قرار الانسحاب لم تعرف فيه الأسباب الحقيقية، لا هي صحية أو سياسية أو رأي شخصي الهدف منه ترك كرسي الرئاسة، وتكريس ثقافة ديمقراطية جديدة تتوافق مع التعددية التي أقرّها منذ مجيئه لهذا المنصب، ومن ثم العمل بمبدأ التناوب والتداول على السلطة.وإذا كانت مختلف الأوساط قد وصفت قرار زروال بـ«القرار المفاجئ”، فإن العديد أرجعه إلى عدة عوامل أهمها الحالة الصحية للرئيس بعد إجرائه عملية جراحية قبل شهور، وهي متاعب أضيفت لمثيلتها السياسية والاجتماعية التي تراكمت هي الأخرى، نتيجة عجز الائتلاف الحكومي على تجاوز درجة الاحتقان بين مختلف الأقطاب والسياسية وتفاقم الأوضاع الاجتماعية المعيشية التي كانت تميز يوميات المواطن الجزائري.آراء الطبقة السياسية بعد قرار الانسحابحزب جبهة التحرير الوطني أشار بيان للحزب العتيد حينها أنه يحترم قرار الرئيس، وأن الشغل الشاغل للحزب هو كيفية الاستمرار في استقرار البلاد والعمل داخل مؤسسات الدولة في إطار احترام الدستور وقوانين الجمهورية.حزب العمال تفاجأت قيادة هذا الحزب بالقرار مثل بقية الجزائريين، وتمنت أن يقوم الرئيس بتوجيه خطاب آخر للأمة يعلن فيه عن قرارات حاسمة، كتوقيف عملية تسريح العمال والإسراع في دفع الأجور المتـأخرة، وتوقيف عمليات غلق المؤسسات والمصانع، والاعتراف رسميا باللغة الأمازيغية.جبهة القوى الاشتراكية جاء في تصريحات مسوؤلي الجبهة أن ”قرار الرئيس اليامين زروال بتنظيم انتخابات رئاسية مسبقة أكد مرة أخرى أن من يتحكمون في زمام السلطة لا يظهرون للعلن، وفشلوا في مهمتهم رغم أنهم قدموا وعودا بتجاوز الأزمة التي ولدت بعد 1992، لكنهم، حسب التصريحات ذاتها، لم يتمكنوا من تجسيدها”. حركة مجتمع السلم حتّم قرار الانسحاب على المكتب التنفيذي لحركة مجتمع السلم إبقاء أشغاله مفتوحة مع تشكيل خلية أزمة لاتخاذ المواقف المناسبة، وجاء في بيان الحركة بأن ”الحركة تحرص على مواصلة سياسة توفير الأمن للشعب والحفاظ على مصالحه ووحدة وطنه”.حزب التجديد الجزائري اعتبر الأمين العام للحزب، جيلالي سفيان، قرار الرئيس زروال بـ«القرار الشجاع وهو يشرّف الرئيس، ومن شأنه أن يعيد الثقة والتفاؤل للجزائريين. وهي فرصة أخرى للشعب الجزائري للخروج من الأزمة التي تتخبط فيها مختلف مؤسسات الدولة. ومثل هذا القرار من شأنه أن يبعث بحركية جديدة للبلاد والمجتمع”. زروال يستقبل وفدا لأبناء الشهداء لـ25 ولاية3 جويلية 2013 أول ظهور إعلامي للرئيس المنسحب منذ 15 سنةطلّق الرئيس السابق اليامين زروال السياسة منذ 27 أفريل 1999، تاريخ استلام الرئيس عبد العزيز بوتفليقة مقاليد الحكم وكرسي الرئاسة، مفضلا العودة للعيش بمسكنه الكائن بحي بوزوران في مدينة باتنة بعيدا عن الأضواء. ولم يظهر زروال لا في المناسبات الرسمية منالأعياد الوطنية التي كان فيها الرئيس بوتفليقة يوجه فيها له الدعوة، ولا في مراسيم الجنائز والدفن لمعظم الشخصيات الوطنية التي التحقت بالرفيق الأعلى، إلى غاية 3 جويلية سنة 2013 حين قرر استقبال وفد لأبناء الشهداء في منزله.حالة الترقب التي أبقى عليها الرئيس زروال، عندما استقبل وفدا مشكلا من مختلف تنظيمات أبناء الشهداء قدموا من 25 ولاية التي طالبته بالعودة لمنصب رئاسة الجمهورية، جعلت الكثير من التأويلات تحوم حول إمكانية الاستعانة بخبرة زروال في هذا الموعد الانتخابي، سواء بترشيحه كبديل للرئيس بوتفليقة، إن تأكد عدم ترشح هذا الأخير لعهدة رابعة، بهدف استعادة زمام الأمور وسلطة اتخاذ القرار التي سيطرت عليها المؤسسة العسكرية منذ الاستقلال، أو الأخذ بمقترحاته فيما تعلق بالمرحلة التي تسبق رئاسيات أفريل القادم والشخصية التي يراها مناسبة لخلافة بوتفليقة في حالة قرر هذا الأخير التنحي ومغادرة قصر الرئاسة، وانطلاقا أيضا من أن الرئيس السابق يبقى الرئيس الوحيد للدولة الجزائرية الذي بقي على قيد الحياة.وقد سارعت أطراف مساندة لمختلف الأسماء التي أبدت رغبتها في الترشح ودخول معترك الرئاسيات في الاستثمار في كلام الرئيس زروال خلال استقباله أبناء الشهداء عقب التصريحات التي جاءت مباشرة بعد خروجه من مسكنه بحي بوزوران والتقائه بمحبيه وأنصاره من جموع الحاضرين من مختلف الولايات التي تنقلت للقائه، فبعضها استهلك العبارة التي قالها الرئيس بأنه في سن متقدمة، والأجدر أن تسند المهمة لإطارات شابة لأن الجزائر شابة، ما فسرته جهات بضرورة فسح المجال لعنصر الشباب لتقلد أعلى منصب في الدولة على أنه هو في صالح المرشحين الشباب، ما يعني أن زروال– حسبهم- لن يقف بجانب علي بن فليس الذي تجاوز الثامنة والستين من العمر، ولا أحمد بن بيتور الذي قارب هو الآخر السبعين عاما، فيما لعبت أطراف أخرى على وتر آخر، وهو أن زروال سيقف مع أحد أبناء الأسرة الثورية، مستدلين في ذلك بما قاله للوفد الذي استقبله على أن هناك أبناء شهداء بإمكانهم تسيير شؤون البلاد، وهو ما سعت إلى استغلاله هذه الأطراف في الدعاية الإعلامية لمرشحيها، على اعتبار أن هذا اللقاء يعد الوحيد الذي ظهر فيه الرئيس السابق بعد غياب دام قرابة 15 سنة، وذهبت لجان أنصار هؤلاء المترشحين إلى التأكيد على أن الرئيس السابق سيدعم علي بن فليس أو مترشح آخر يتوفر فيه معيار ابن شهيد.
مقال مؤرشف
هذا المقال مؤرشف, يتوجب عليك الإشتراك بخطة الممتاز+ لتتمكن من الإطلاع على المقالات المؤرشفة.
تسجيل الدخول باقة الاشتراكات