38serv

+ -

 يلاحظ على الشعب الجزائري العنف والشّدّة والغلظة في التّعامل مع الآخرين، ولقد لاحظ علينا هذه الصفة إخواننا من العرب والمسلمين، ولعلّ السبب في ذلك يعود إلى ما عاناه الجزائريون من معاملة سيّئة من المستعمر الفرنسي المقيت إبان الاحتلال الغاشم.يقول الإمام ابن القيم: “ملاطفة الخلق، وهي معاملتهم بما يحبُّ أن يعاملوه به من اللُّطف. ولا يعاملهم بالعنف والشِّدّة والغلظة، فإنّ ذلك يُنفِّرهم عنه، ويُغرِيهم به، ويُفسِد عليه قلبه وحاله مع الله ووقتَه، فليس للقلب أنفعُ من معاملة النّاس باللُّطف؛ فإنّ مُعامِله بذلك: إمّا أجنبيٌّ فيكسِب مودَّتَه ومحبّته، وإمّا صاحبٌ وحبيبٌ فيستدِيمُ صحبتَه ومحبّتَه، وإمّا عدوٌّ ومُبغِضٌ فتُطفِئ بلطفك جمرتَه، وتَستكفي شرَّه، ويكون احتمالُك لمَضَضِ لطفك به دون احتمالك لضررِ ما ينالك من الغِلظة عليه والعُنْفِ به “.إنّ اللّين والرّفق في الكلام يلين القلوب القاسية والكلام القاسي أو شديد اللّهجة يقسّي القلوب الّتي أنعم من الحرير، يقول تعالى: {فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللهِ لَنِتَّ لَهُمْ وَلَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ}، ويقول تعالى: {وَعِبَادُ الرَّحْمِنِ الَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَى الْأَرْضِ هَوْنًا وَإِذَا خَاطَبَهُمْ الْجَاهِلُونَ قَالُوا سَلَامًا}، ويقول تعالى: {وإِمَّا تُعْرِضَنَّ عَنْهُمْ ابْتِغَاءَ رَحْمَةٍ مِنْ رَبِّكَ تَرْجُوهَا فَقُلْ لَهُمْ قَوْلًا مَيْسُورًا}، ويقول نبيّنا صلى الله عليه وسلم: “إنّ الله رفيقٌ يُحبّ الرِّفق في الأمر كلِّه”، فاللّطف والرّفق في الأمور ثمرة حُسن الخُلُق، ولا يحسن الخُلُق إلّا بضبط قوّة الغضب وقوّة الشّهوة وحفظهما على حدّ الاعتدال.والمؤمن الحقّ هو الّذي يملك نفسه عند الغضب لأنّه ارتوى من تعاليم الإسلام وعرف كيف يعالج النّفس حال الغضب، لذلك لا تبدر منه كلمة نابية أو جارحة مع من يتعامل معهم سواء مع زوجته في البيت أو مع أولاده أو مع زملائه أو مع جيرانه أو من تحت أمره من العمال والموظفين، أو مع من يقابلهم في الطريق أو المحلات العامة. وإذا تحدّثت معه في مسألة شائكة وجدت منه الرّفق والكلام اللّطيف اللّيِّن الّذي يزرع المحبّة بدل البغضاء والكراهية.يقول المصطفى صلى الله عليه وسلم: “إنّ الله ليُعطي على الرّفق ما لا يعطي على الحزق، وإذا أحبّ الله عبدًا أعطاه الرّفق، وما من أهل بيت يحرمون الرّفق إلّا حُرموا محبّة الله تعالى”.إنّ الناس ينفرون بطبائعهم من الفظاظة والخشونة والعنف ويألفون الرّقة والدّماثة واللّطف في الحديث وقوّة الإقناع دون انفعال أو غضب.. رُوي عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: بال أعرابي في المسجد، فقام النّاس إليه ليقعوا فيه، فقال النّبيّ صلى الله عليه وسلم: “دعوه وأريقوا على بوله سجلًا من ماء أو ذنوبًا من ماء فإنّما بُعِثتم ميسّرين ولم تُبعثوا معسّرين”، ويقول الإمام عليّ رضي الله عنه: “الرّفق يمن والأناة سعادة فتأن في أمر تلاقي فيه نجاحًا”.والهيّن اللّيّن ينسحب رفقه على كلّ صور حياته، الّتي تقتضي السّماحة واللّيّن في التّعامل مع المؤمنين، حتّى يحظى بمحبّة الله سبحانه وتعالى، يقول عليه الصّلاة والسّلام: “إنّ الله تعالى يحبّ الرّفق في الأمر كلّه”. كما نحظى بعون الله عزّ وجلّ، يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: “إنّ الله رفيق يحبّ الرّفق، ويرضاه، ويُعين عليه ما لا يعين على العنف”.وصورة الشّديد الغليظ، الغاضب العنيف، صورة مشينة معيبة تنفر منها الطّباع البشرية، بينما صورة السّهل الرّفيق، اللّيّن اللّطيف، صورة تزيّن صاحبها، وترتاح إليها النّفوس، وتأنس إليها القلوب، وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “ما كان الرّفق في شيء إلّا زانه، ولا نزع من شيء إلّا شانه”. والرّفيق الرّحيم أحقّ النّاس برحمة الله عزّ وجلّ كما في الحديث: “الرّاحمون يرحمُهم الرّحمن تبارك وتعالى، ارحموا مَن في الأرض يرحمكم من في السّماء”.إنّ المرء في تعامله مع النّاس ينبغي أن يتأسّى برسول الله صلى الله عليه وسلم بالرّفق بهم واللّين والتّسامح والرّحمة معهم. فالرّفق أفضل وسيلة إلى النّجاح في معاملة النّاس. هذا النّجاح الّذي يشكّل جانبًا مهمًّا من جوانب الحياة السّعيدة.وعلى قدر ما يمسك الإنسان نفسه، ويكظم غيظه، ويملك لسانه، تعظم منزلته عند الله وعند النّاس، فليس وظيفة المسلم أن يلوك أخطاء النّاس، ويتتبّع عثراتهم، ويعمى عن رؤية حسناتهم وكأنّه لا يعرف ولا يرى إلّا السّيّئات.. أليس في عيوبه ما يشغله عن عيوب النّاس.. فلا ينبغي أن يكون كما قيل: تخفى الحقائق عن عيون لا ترى في الصّفحة البيضاء إلّا الأسود وقد وصف الله تعالى صفوة عباده بقوله: {أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكَافِرِينَ}.

مقال مؤرشف


هذا المقال مؤرشف, يتوجب عليك الإشتراك بخطة الممتاز+ لتتمكن من الإطلاع على المقالات المؤرشفة.

تسجيل الدخول باقة الاشتراكات