38serv

+ -

أفادت إحصائيات رسمية صادرة عن وزارة العدل بأنّ 10 آلاف جزائرية خلعت زوجها خلال السداسي الأوّل من العام 2021، وهو رقم صادم حسب خبراء في القانون والعلاقات الأسرية، كما تمّ تسجيل 44 ألف حالة طلاق خلال نفس الفترة.يروي الإمام أبو داود في سننه من حديث عبد الله بن عمر رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “أبغض الحلال إلى الله تعالى الطّلاق”.لقد رغّب الإسلام في الزّواج، وحثّ على اختيار الزّوجة صاحبة الدِّين، والزّوج صاحب الدِّين والخُلق، وقد جعل الإسلام لكلَا الزّوجين حقوقًا وواجبات، والحياة الزّوجية تتكامل عند ما تكون مبنية على الحبّ والتّفاهم والتّعاون والصّبر، أمّا عندما تفقد معناها فتصبح العشرة صعبة، ويكون الطّلاق هو الحلّ.إنّ واقع النّاس يحكي صورًا من اللامبالاة عندما يطلقون ألفاظًا لا يلقون لها بالًا، ربّما تهوي بهم في مسالك الضّياع، منها كلمة (أنت طالق)، فهذه الكلمة عبارة عن معوّل يهدم صرح الأسر والبيوت، فكم أجهشت من عيون، وكم مزّقت من قلوب، وكم روَّعت من أفئدة، هي كلمة صغيرة الحجم لكنّها جليلة الخطب، إنّها كلمة ترتعد الفرائص بوقعها، فتقلّب الفرح ترحًا، والبسمة غصّة، إنّها كلمة الطّلاق، وما أدراك ما الطّلاق! كلمة الوداع والفراق، فلله كم هدّمت من بيوت، وكم قطّعت من أواصر، فيا لها من ساعة رهيبة، ولحظة أسيفة، يوم تسمع المرأة: أنت طالق، فتكفكف دموعها، وتودّع بيتها. ويا لها من لحظة تجفّ فيها المآقي، وتغصّ بها الحلوق، حين تقف المرأة على باب دارها لتلقي النّظرات الأخيرة، نظرات الوداع على عشّ الزّوجية المليء بالأيّام والذّكريات.العشرة الزّوجية ضرب من المحبّة ليس له مثيل، فهو الّذي يسكن به الزّوجان، فيكون كلّ منهما متمّمًا للآخر: {وَاللهُ جَعَلَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا وَجَعَلَ لَكُمْ مِنْ أَزْوَاجِكُمْ بَنِينَ وَحَفَدَةً}، أمّا اختلال العشرة بين الزّوجين فيزكي نار الفرقة، ويكثر الخصام، فلو أحبّ الأزواج بعضهم بعضًا حبًّا صادقًا، وسكن بعضهم إلى بعض لوادَّ كلّ منهما الآخر.لقد حثّ الإسلام على اختيار الزّوجة الصّالحة: “فاظفر بذات الدِّين تَرِبَت يداك”، ومن المعلوم بداهة أنّه لا يرغب الظفر بذات الدّين إلّا مَن كان قلبه معلّقًا بالدّين، وكانت نفسه من النّفوس الزّكية، ومن هذه حاله فلا خوف أن يرزق المودّة بينه وبين زوجته: “الدّنيا متاع، وخير متاعها المرأة الصّالحة”، فمتى كان الدّين بين كلّ زوج وزوجه، فمهما اختلفَا وتدابرَا وتعقّدت الأمور بينهما، فإنّ كلّ عقدة من العقد إلّا ومعها طريقة لحلّها، فثمرة التّديُّن في المرأة تظهر في قول عائشة رضي الله عنها: “يا معشر النّساء، لو تعلمن بحقّ أزواجكنّ عليكنّ لجعلت المرأة منكنّ تمسح الغبار عن قدمي زوجها بخدّ وجهها”، فما أجهل الرّجل يُسيء معاشرة امرأته، وما أحمق المرأة تسيء معاملة بعلها.الطّلاق كلمة لا ينازع أحد في جدواها وحاجة الزّوجين إليها، عندما يتعذّر العيش تحت ظلّ وارف، فإذا بلغ النّفور مبلغًا يصعب معه التّودُّد، فالواجب أن يتفرّقَا بالمعروف والإحسان كما اجتمعَا على هذا القصد: {وَإِنْ يَتَفَرَّقَا يُغْنِ الله كُلاًّ مِنْ سَعَتِهِ}، فربُّنا سبحانه لم يخلق الزّوجين بطباع متّفقة من كلّ وجه، والزّوجان اللّذان يظنّان أنّهما مخلوق واحد، فهما يعيشان في أوهام، إذ كيف يريد منها زوجها أن تفكّر هي بكلّ ما في رأسه! وكيف تريد هي منه أن يحسّ بكلّ ما في قلبها! فالنّسيم لا يهب عليلًا دائمًا، فقد تثور الزّوابع، ومن العقل توطين النّفس على قبول بعض المضايقات وتجاهلها: {فَإِنْ كَرِهْتُمُوهُنَّ فَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَيَجْعَلَ الله فِيهِ خَيْرًا كَثِيرًا}، “لا يفرك (أي: لا يبغض) مؤمن مؤمنة إن كره منها خُلُقًا ورضي منها آخر”.لقد كثُر الطّلاق اليوم في المجتمع نتيجة غفلة الأمّة عن وحي السّماء، وركونها إلى مصادر أرضية مريضة، قلّبَت مفاهيم العشرة، وأفسدت الحياة الزّوجية، وتولّى كبر تلك المفاهيم الإعلام بشتّى صوره؛ فانقلبت العشرة الزّوجية إلى نكد، وسلبت النّسوة وقورهنّ من خلال ما يشاهدن من مسلسلات، ليس لها من غاية إلّا إفساد المجتمعات، فداخل البيت المسلم يتأثر بخارجه، وتيارات الميوعة والجهالة إذا عصفت في الخارج تسلّلَت إلى الدّاخل، فلا ينجو من ويلاتها إلّا مَن عصمه الله.بعض الرّجال يتوهّمون أنّ القوامة تعني الاستبداد والقهر، ولا يدرون أنّ عقد الزّوجية ليس عقد استرقاق للمرأة، بل هو أزكى من ذلك: {وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ}، كما أنّ قوامة الرّجل لا تعني استغناءه عن زوجه: {هُنَّ لِبَاسٌ لَكُمْ وَأَنْتُمْ لِبَاسٌ لَهُنَّ}، فالطّلاق اليوم قد استفحل لمّا صار المطلّق أحد رجلين: إمّا رجل أعمل سلطته وأهمل عاطفته، فكان في بيته سيّدًا، ولكنّه لم يذُق طعم المحبّة والسّعادة، ولا عرف الصّفا والهناء، وإمّا رجل تبع عاطفته فأطاعها، وأهمل سلطته فأضاعها، فعاش في داره عبدًا.لقد كثر الطّلاق اليوم لمّا كثر الحسدة والواشون، فنكسوا الطّباع، وصيّروا أسباب المودّة عِللًا للتّباغض والانقسام، ولربّما كان لأهل الزّوجين مواقف ظاهرة بدت سببًا مباشرًا في كثير من الخلافات، فقد يتدخّل الأب، وقد تتدخّل الأم أو الأخ أو الأخت، فيحار الزّوج من يقدِّم. فإلى الله المُشتكَى وهو وليّ التّوفيق.*إمام مسجد عمر بن الخطّاب، بن غازي - براقي

مقال مؤرشف


هذا المقال مؤرشف, يتوجب عليك الإشتراك بخطة الممتاز+ لتتمكن من الإطلاع على المقالات المؤرشفة.

تسجيل الدخول باقة الاشتراكات