+ -

 الذكر هو حبل الله الموصول إليه، والزاد المعين على القُرب إليه، وهو القوت الّذي يضمن عدم الفوت. ولهذا كتب العلماء في فن الذّكر والدُّعاء وأنّهما مسألتان تحتاجان إلى فقه وبصيرة. ولكن يقول الكثير إنّنا نَذكُر ولا أثر، وإنّنا ندعو ولا استجابة، فأين الخلل؟ وعليه كانت هذه الكلمات اليسيرة، محاولة للفت الانتباه، لأهل الإقبال والصّفاء.فيا أيُّها الحبيب.. أنصحك ونفسي أن تستحضر جملة أمور:أولًا، صحّة القصد في السّيْر إلى الله، مع تجديد النّية كلّ يوم، قال صلّى الله عليه وسلّم: “إنّي لأستغفر ربّي في اليوم مائة مرّة...”.ثانيًا، أن يكون على يد عارف بطريق السَّيْر إلى الله، لأنّه هو من يشخّص لك مرض قلبك، ويعطيك وصفة قُربك، قال صلّى الله عليه وسلّم: “يا معاذ: ألَا أُعَلِّمُك كلمات تقولهُنّ عند دُبُر كلّ صلاة...”.ثالثًا، ألّا يُخالف ذِكرك المنصوص، ولا يشتمل على محظور، قال صلّى الله عليه وسلّم: “مَن أحدث في أمرنا ما ليس منه...”.رابعًا، المواظبة على الذِّكر زمانًا وعددًا، قدر المستطاع إلّا لعُذر قاهر، أو نسيان عارض، أو غفلة يسيرة، قال الله تعالى: {الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللهَ قِيَامًا وَقُعُودًا}، وقال سبحانه: {وَبِالْأَسْحَارِ هُمْ يَسْتَغْفِرُونَ}خامسًا، ألّا تُلزم غيرك به، فرُبّ دواء لك، داءٌ لغيرك، قال الله سبحانه وتعالى: {وَلِكُلٍّ وِجْهَةٌ هُوَ مُوَلِّيهَا فَاسْتَبِقُوا الْخَيْرَاتِ}.سادسًا، انتظِر البِشارة، ولا تنتظر الإشارة، فرُبّما يكون استِدراجًا لك. وليكُن همُّك طلب الاستقامة لا طلب الكرامة، قال الله تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ اتَّقَوْا إِذَا مَسَّهُمْ طَائِفٌ مِّنَ الشَّيْطَانِ تَذَكَّرُوا فَإِذَا هُم مُّبْصِرُونَ}.سابعًا، لا تُكَلِّفْ نفْسك إلّا على قدر ما تُطيق، فإنّ للنّفس إقبالًا وإدبارًا، قال صلّى الله عليه وسلّم: “إنّ هذا الدِّين متينٌ، فأوْغِلُوا فيه برِفْق...”.ثامنًا، على قدر الاستعداد يكون الإمداد، وعلى قدر الزّاد يكون الازدياد، قال الله عزّ وجلّ “{وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا...}.تاسعًا، أفضل الأذكار ما ترتاح به نفسك، ويشرق به قلبك، وينوّر به وجهك، قال الله تعالى: {أَلَا بِذِكْرِ اللهِ تَطْمَئِنُ الْقُلُوب...}.عاشرًا، احرص على أن يكون لك في كلّ حركة وسكنة، ذِكرٌ عن رسول الله، فلقد علّم صلّى الله عليه وسلّم الصّحابة كلّ شيء، حتّى كيفية قضاء الحاجة، قال صلّى الله عليه وسلّم: “عليكم بسُنّتي وسُنّة الخلفاء الرّاشدين من بعدي...”.فإنّ مَن ذاق عَرَفَ ومَن عرف غَرَفَ، فعن أبي ذر الغفاري رضي الله عنه: “أنّ نَاسًا من أصحاب النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم قالوا للنّبيِّ صلّى اللّه عليه وسلّم: يا رسول الله، ذهب أهلُ الدُّثُور بالأُجُورِ: يُصَلُّونَ كما نُصلّي، ويصومون كما نصوم، ويتصدّقون بفُضول أموالهم، قال: “أَوَلَيْسَ قد جعل اللّه لكم ما تَصَّدَّقون؟ إنّ بكلّ تسبيحة صدقة، وكلّ تكبيرة صدقة، وكلّ تحميدة صدقة، وكلّ تهليلة صدقة، وأمرٌ بالمعروف صدقة، ونهيٌ عن منكرٍ صدقة، وفي بُضْعِ أحدِكم صدقة”، قالوا: يا رسول الله، أيَأتي أحَدُنا شهوتَه ويكون له فيها أجر؟ قال: “أرَأَيْتُم لو وضعها في حرام، أكان عليه فيها وِزر؟ فكذلك إذا وضعها في الحلال كان له أجر” رواه مسلم. وأفضل الذّكر القرآن الكريم، وأفضل الذِّكر لا إله إلّا الله، وأفضل الذِّكر الصّلاة والسّلام على رسول الله صلّى الله عليه وسلّم. والله وليّ التّوفيق.*أستاذ الشريعة والقانون بجامعة وهران

مقال مؤرشف


هذا المقال مؤرشف, يتوجب عليك الإشتراك بخطة الممتاز+ لتتمكن من الإطلاع على المقالات المؤرشفة.

تسجيل الدخول باقة الاشتراكات