38serv

+ -

إن انتشار البلاء وانحباس نزول المطر وجفاف الأرض من أكبر مصائب الناس في دنياهم ومن أشد الأمور تهديدا على حياتهم، فالصحة والسلامة رأس مال الإنسان وبالماء جعل الله كل شيء حيا ودون ماء كل شيء إلى هلاك، لهذا وجب على المسلمين أن يلجأوا إلى اللهِ تعالى ويطلبوا منه رفع البلاء ونزول الرحمات.لقد حل البلاء وظهر الجدب لكي يظهر العباد افتقارهم إلى ربّهم، ويبتهلوا بين يديه، ويعلموا أنّ ضرّهم لا يكشفه عنهم إلّا مولاهم، بإظهار فقرهم للغني الحميد، قال تعالى: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ أَنتُمُ الْفُقَرَاء إِلَى اللَّهِ وَاللَّهُ هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ}، وقال تعالى في الحديث القدسي: (يا عبادي، كلُّكم ضال إلّا مَن هديتُه فاستهدوني أَهدِكُم، يا عبادي، كلّكم جائع إلّا مَن أطعمتُه فاستطعموني أُطعِمْكُم، يا عبادي، كلّكم عارٍ إلّا مَن كسوته فاستكسوني أكسِكُم).هذا وإنّ رفع البلاء ونزول الغيث وسقيَ العباد والبلاد له أسبابٌ مبيّنةٌ في الكتاب والسُّنّة، فمن أسباب نزول الغيث:التّقوى، ذلك لأنّ تقوى الله تبارك وتعالى جامعةٌ للخير كلّه، قال الله تعالى: {وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آمَنُواْ وَاتَّقَواْ لَفَتَحْنَا عَلَيْهِم بَرَكَاتٍ مِّنَ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ وَلَكِن كَذَّبُواْ فَأَخَذْنَاهُمْ بِمَا كَانُواْ يَكْسِبُونَ}.التّضرُّع ومداومة الدّعاء بإخلاص القلب لله تبارك وتعالى، قال عزّ وجلّ: {وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُواْ لِي وَلْيُؤْمِنُواْ بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ}، وفي الحديث الصّحيح: “ليس شيءٌ أكرمُ على الله من الدّعاء”. فالتّضرّع هو العبادة القصوى عند الشّدائد والمصائب، قال عزّ وجلّ في سورة الأعراف: {وَاذْكُرْ رَبَّكَ فِي نَفْسِكَ تَضَرُّعًا وَخِيفَةً}.كثرة الاستغفار بحضور قلبٍ وندم، قال الله تعالى عن نوحٍ عليه السّلام: {فَقُلْتُ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّارًا * يُرْسِلِ السَّمَاء عَلَيْكُم مِّدْرَارًا * وَيُمْدِدْكُمْ بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ وَيَجْعَل لَّكُمْ جَنَّاتٍ وَيَجْعَل لَّكُمْ أَنْهَارًا * مَّا لَكُمْ لَا تَرْجُونَ لِلَّهِ وَقَارًا}، وقال تعالى عن هود عليه الصّلاة والسّلام: {وَيَا قَوْمِ اسْتَغْفِرُواْ رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُواْ إِلَيْهِ يُرْسِلِ السَّمَاء عَلَيْكُم مِّدْرَاراً وَيَزِدْكُمْ قُوَّةً إِلَى قُوَّتِكُمْ وَلاَ تَتَوَلَّوْاْ مُجْرِمِينَ}، وفي الحديث: “مَن لَزِم الاستغفار جعل الله له من كلّ همٍّ فرجًا ومن كلِّ ضيقٍ مخرجًا، ورزقه من حيث لا يحتسب”.التّوبة إلى الله من كلّ ذنب؛ فالتّوبةُ جامعةٌ لكلّ خير، رافعةٌ لكلّ بلاء وعقوبة، قال الله تعالى: {وَأَنِ اسْتَغْفِرُواْ رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُواْ إِلَيْهِ يُمَتِّعْكُم مَّتَاعًا حَسَنًا إِلَى أَجَلٍ مُّسَمًّى وَيُؤْتِ كُلَّ ذِي فَضْلٍ فَضْلَهُ}.ردّ المظالم وسلامةُ الصّدور من الغلِّ والحسد والكِبر والرّذائل والصّدقات والإحسان إلى الخلق، قال تعالى: {إِنَّ رَحْمَتَ اللّهِ قَرِيبٌ مِّنَ الْمُحْسِنِينَ}.ولقد تقرّر عند أهل العلم بما صحّ من الأخبار عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنّ منع الزّكاة وأكل الحرام وترك الأمر بالمعروف والنّهيّ عن المنكر والظّلم وانتشار المعاصي في المجتمع أسباب خاصة في منع القطر من السّماء، وعدم إجابة الدّعاء؛ جاء في الحديث: “أقبل علينا رسول الله صلَّى اللهُ عليه وسلَّم فقال: يا معشر المهاجرين خمسُ خصال إذا ابتليتُم بهنّ وأعوذُ بالله أن تُدركوهنّ.. وذكر منها: ولم يمنَعوا زكاة أموالِهم إلّا مُنِعوا القَطْرَ من السّماء، ولولا البهائمُ لم يُمطَروا..”.وإنّ من أعظم المعاصي: ظلم العباد بعضهم بعضًا، فكم من دماء تسيل بغير حقّ، وكم من أعراض تنتهك، وكم من أموال تمتد إليها أيادي النّاس بالحرام.ومن أسباب نزول الغيث: حُسن الظّنّ بالله وتعظيم الرّجاء في الله؛ ففي الحديث الصّحيح: “أنا عند ظنِّ عبدي بي، وأنا معه إذا ذكرني”.وإذا أردنا رفع البلاء والمطر النّافع فلنؤد حقّ الله تعالى علينا من الواجبات، وترك المحرّمات، ولنسارع إلى فعل المستحبات، وترك المكروهات.وعلينا البدار البدار بالتّوبة وتقوى الله، ولنعلم أنّه ليس طلب الغيث (عن طريق صلاة الاستسقاء فقط) بمجرّد القلوب الغافلة، والعقول اللاهية، وإنّما يتطلّب تجديد العهد مع الله، وفتح صفحة جديدة ملؤها الطّاعة، بعيدًا عن المعاصي والمحرّمات، وإصلاحًا شاملًا في كلّ مرافق الحياة، فحاجة الأمّة إلى الاستغاثة العملية التطبيقية لا تقلّ أهمية عن استغاثتها القولية، وإنّه مع كلّ هذا التّقصير فعفو الله واسع، ورحمته وسعت كلّ شيء، وعفوه عمَّ كلّ التّائبين، فما ضاق أمر إلّا جعل الله منه مَخرجًا، ولا عظم خطب إلّا جعل الله معه فرجًا، ها هو مولانا جلّ وعلا يدعونا للتّوبة والإنابة، والدّعاء والاستغفار، {قُلْ يا عِبَادِيَ ٱلَّذِينَ أَسْرَفُواْ عَلَى أَنفُسِهِمْ لاَ تَقْنَطُواْ مِن رَّحْمَةِ ٱللَّهِ إِنَّ ٱللَّهَ يَغْفِرُ ٱلذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ ٱلْغَفُورُ ٱلرَّحِيمُ}.

مقال مؤرشف


هذا المقال مؤرشف, يتوجب عليك الإشتراك بخطة الممتاز+ لتتمكن من الإطلاع على المقالات المؤرشفة.

تسجيل الدخول باقة الاشتراكات