الضوابط الشرعية في استخدام شبكات التواصل الاجتماعي

+ -

إنّ كيفية التّعامل مع شبكات التواصل الاجتماعي أمر مهمّ وملحّ للغاية، فنحن في زمن تشدّ الحاجة فيه لكيفية تربية أنفسنا ومن تَحْتَ أيدينا ليُحسنوا التّعامل مع هذه التقنية؛ لأنّ هذه التقنية واسعة العطن، بعيدة الجانبين، على الإنسان أن يضبط تعامله معها بضوابط الشّرع الحنيف، وإن لم نضبط تصرّفاتنا في التّعامل معها وقعنا في المحظورات والمحرّمات.شبكات التواصل الاجتماعي مجموعة من البرامج والمواقع الإلكترونية تمكّن مستخدمها من إنشاء موقع خاص به عليها، أو تحميلها على جهاز هاتفه الذكي أو اللوحي، يمكنه من خلالها الارتباط والتواصل مع الآخرين برابط القرابة، أو المعرفة، أو الصّداقة، أو الاهتمام والهواية، أو زمالة الدراسة والعمل؛ ونحو ذلك من روابط التواصل، وهي كغيرها من الوسائل؛ لها إيجابيات وسلبيات.وهذه المواقع والبرامج انتشرت بشكل كبير وسريع بين المستخدمين على مستوى العالم، ممّا أدّى إلى كسر الحدود الجغرافية، والأعراف والعادات والتقاليد الاجتماعية، وجعله يبدو كقرية صغيرة تربط أبناءه بعضهم ببعض. وإنّ شبكات التواصل الاجتماعي سلاح ذو حدين إن استخدمت في الخير نفعت نفعًا عظيمًا، وإن استخدمت في ضرر النّاس ضرَّت ضررًا كبيرًا، وهذا السّلاح قادر على تزويد النّاس بالحقائق، وعلى قلبها أيضًا بطريقة تتسرّب في أعماق الجماهير بحسبان أنّها حقائق علمية لا تقبل الطعن.هذه الوسائل مثلها كالكثير من المسائل المشتركة الّتي يمكن الاستفادة منها في الحلال إلى أبعد الدرجات، كما يمكن الانغماس بها في الحرام إلى أبعد دركاته، فالمسألة في المنفعل لا في الفعل والعبرة بالمستخدِم لا بالمستخدَم، فكم من أناسٍ نقلتهم شبكات التواصل من الظّلمات إلى النّور، وكم من آخرين أردتهم في الظّلمات بعد أن كانوا من أهل الخير والصّلاح!وإنّ من واجب الاجتهاد المعاصر وضع ضوابط للثقافة الموجّهة في المؤسسات الرسمية تنظر في المفاهيم الاستقطابية الخطيرة الّتي يصنعها ويستهلكها التّواصل الاجتماعي، وهذه الضّرورة الاجتهادية مشتركة بين بلدان العالم الإسلامي والعربي بكامله.. لأنّ فيها مقاومة أخلاقية مصيرية تستوجب التّحصين والوقاية من ثقافات غريبة غير مرغوب فيها، كما تحمل دعوة إلى التّربية على قيم التّفكير النّاقد وأسلوب الاستقطاب الهادف، والمشاركة في النّقاش والحوار من أجل بناء شخصيات ذات أبعاد وطنية تستطيع أن تميّز بين ما هو صحيح وما هو خاطئ؛ قادرة على الانخراط بثبات في بناء أجيال تتحمّل المسؤولية الوطنية والدفاع عن مبادئها وثقافتها الموروثة مؤهّلة لتحمّل مسؤولياتها واتّخاذ القرارات والمواقف المناسبة.ولقد تعاملت الشّريعة الإسلامية مع الإعلام تعاملها مع جميع العلوم المماثلة، كالاقتصاد، والسياسة، إذ وضعت منهجًا علميًا دقيقًا يصلح لكلّ زمان ومكان، يضبط هذه العلوم وما استجدّ من حوادث ووقائع وفقًا لقواعده المتعارفة ومبادئه الثابتة، ويحدّد لها الإطار الشّرعي الواضح الجليّ، فما وافق كتاب الله عزّ وجلّ وسُنّة نبيّه عليه الصّلاة والسّلام، فهو مقبول في هذا المنهج، وما خالف ذلك فهو مرفوض.ولمّا كان الإعلام الحديث يعتمد في أسسه ومبادئه على حرية كبيرة للرّأي والقول والتّعبير فإنّه وجب توضيح موقف الإسلام من ذلك، من خلال تبيان الضّوابط الّتي يجب الالتزام بها، والحدود الواجب عدم الخروج عليها، والمنهج الواجب اتّباعه في ذلك.ومن أهم الضّوابط الشّرعية في تواصلنا الاجتماعي عبر هذه التقنية ما يلي:أَن ينوِي المسلم الاستعانة بها علَى الطّاعات، وقضاء الحاجات، قال رسول اللَّه صلّى الله عليه وسلّم: “إِنَّمَا الأَعْمَالُ بِالنِّيَّاتِ”.استشعار عظم المسؤولية، وذلك بأن یتذكّر المستخدم لهذه الوسائل مسؤولیته عمّا تجترحه جوارحه من أفعال وأقوال، قال تعالى: {يَوْمَ تَشْهَدُ عَلَيْهِمْ أَلْسِنَتُهُمْ وَأَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ}.أن يكون قدوة حسنة لغيره من المستخدمين، قال صلى الله عليه وسلم: “مَن دعا إلى هُدًى كان له من الأجر مثل أجور مَن تبعه لا ينقص  ذلك من أجورهم شيئا، ومن دعا إلى ضلالة كان عليه من الإثم مثل آثام من تبعه لا یينقص ذلك من آثامهم شيئا”.التثبُّت في نشر الأخبار، لابدّ لمستخدم هذه الوسائل التّأنّي وعدم التّسرّع في نشر الأخبار وبخاصة تلك الأخبار غیر الموثوقة أو الكاذبة. كما حذّر الرّسول صلى الله علیه وسلم من هذا السّلوك بقوله: “كفى بالمرء كذبًا أن یُحدِّث بكلّ ما سمع”.وينبغي للناشط في شبكات التواصل أن يتحلَّى بالصّدق والأمانة، فلا ينشر إلّا الحقّ الّذي يوضّح للمسلمين ما يعود عليهم بالنّفع في دينهم ودنياهم، والبُعد عن كلّ ما يُسيء للفضيلة والأخلاق، وضرورة الحفاظ على الأسرار والحياة الخاصة للآخرين.ومن ضوابط التّعاملِ مع مواقع التواصل الاجتماعي الاحتراز من الأفكارِ الهدّامة، والحركات السياسية المشبوهة، والأوهامِ الفاسدة، الّتي تُبَثّ عبر هذه الشبكات، ممّا يتنافَى مع الدّينِ والأخلاقِ، والقيم والأعراف، ويؤثّر على استقرارِ المجتمعات، وينشر الفساد في الأرضِ، والّتي ينبغي التّنبّه إليها والابتعاد عنها والتّحذير منها، قال الله تعالى: {وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يُعْجِبُكَ قَوْلُهُ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيُشْهِدُ اللَّهَ عَلَى مَا فِي قَلْبِهِ وَهُوَ أَلَدُّ الْخِصَامِ * وَإِذَا تَوَلَّى سَعَى فِي الأَرْضِ لِيُفْسِدَ فِيهَا وَيُهْلِكَ الْحَرْثَ وَالنَّسْلَ وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ الْفَسَادَ}. إنّ من أهمّ ما راعاه الإسلام وحدة الأمّة واجتماع كلمتها، إذ بالتّفرّق تضيع هيبتها وتخسر مكانتها، يقول تعالى: {إِنَّ هَذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَأَنَا رَبُّكُمْ فَاعْبُدُونِ)، لذا ينبغي توجيه مشاركتنا بمواقع التواصل الاجتماعي في العمل على توثيق الرّوابط بين المسلمين ودعامة قوية من دعامات بنائها العقدي والروحي.

مقال مؤرشف


هذا المقال مؤرشف, يتوجب عليك الإشتراك بخطة الممتاز+ لتتمكن من الإطلاع على المقالات المؤرشفة.

تسجيل الدخول باقة الاشتراكات