ضرورة الوقاية من الأمراض والأوبئة في المجتمع

38serv

+ -

حثّت الشّريعة الإسلامية الغرّاء على صحة الأبدان، والوقاية من الأمراض وممّا يكون سببًا في هلاك الإنسان. قال الله تعالى: {وَلَا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ}، وأمر الإسلام بالبُعد عن الأمراض وعن أسباب العدوى وعن دخول أرض بها الطاعون.من المقرّر أنّ الوقاية خير من العلاج، وأنّ الوقاية من الأمراض بصفة عامة، ومن داء كورونا الّذي عاود الانتشار بشكل مخيف هذه الأيّام تستوجب على كلّ إنسان منّا أن يحافظ على نفسه من أسباب العدوى، وقد دعَا الإسلام إلى المحافظة على صحة الإنسان من أيّ مرض. وحثّ الإسلام على النّظافة والطّهارة وعلى نظافة البدن والثّوب والمكان.يربط ديننا الإسلامي النّظافة بالعقيدة، ويجعلها جزءًا لا يتجزّأ من تعاليم العبادة والصّلاة، بل جعلها جزءًا من الإيمان بالله، لقول الرّسول الكريم صلى الله عليه وسلم: “النّظافة شطر الإيمان” أي نصفه، وفي رواية: “النّظافة من الإيمان”، وبهذا كلّه يجعل الإسلام مسألة النّظافة عقيدة وسلوكًا ملزمًا للمسلم في كلّ شؤون حياته وليست لمجرّد الخوف من المرض وحده.فالطّهارة الشّخصية والنّظافة هي الأصل في حياة المسلم، قال تعالى: {إِنَّ اللهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ}، وأثنى الله على المتطهّرين فقال: {فِيهِ رِجَالٌ يُّحِبُّونَ أَن يَتَطَهَّرُوا}.ويأمر الإسلام بنظافة الغذاء والأواني والطّعام والأيدي والملابس ونظافة المساكن والشّوارع وكلّ أرجاء المدينة ومصادر المياه، فيمنع إلقاء الزبالة وتجميعها في البيوت أو تركها في الشّوارع، ويأمر المسلم إذا وجد أيّ شيء ملقى في الطريق أن يزيله، ويحرّم التبول أو التغوط في الطريق أو حتّى البصق فيه: فقال صلى الله عليه وسلم: “إنّ الله تعالى طيّب يحبّ الطيّب، نظيف يحبّ النّظافة، كريم يحبّ الكرم، جواد يحبّ الجود؛ فنظّفوا أفنيتكم، ولا تشبّهوا باليهود”.وكان العزل والحجر الصحي والطب الوقائي أصلًا دائمًا في حياة الرّسول؛ ففي الحديث عن عائشة رضي الله عنها قالت: “كانت يد رسول الله اليُمنى لطهوره وطعامه، واليُسرى لخلائه وما كان من أذى”.وينهى الإسلام عن العطس في وجوه النّاس، إذ إنّ ذلك ينتشر بينهم كالأنفلونزا والتهاب الحلق، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا عطس غطّى وجهه بكفيه أو طرف ثوبه...يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: “لا ضَرَر ولا ضِرار”، وفي هذا التّوجيه النّبويّ ما يدلّ على أنّ الإسلام لا يقرّ أيّ عمل أو سلوك أو أيّ تصرّف فيه ضرر أو ضرار. وهذه القاعدة الإسلامية، توضّح أنّ الإسلام لا يُقرّ أيّ سلوك فيه ضرر يصيب حياة الإنسان، لأنّ الإسلام هو دين الخير والنّفع يدعو إلى صحة الأبدان وإلى الأمان، ويحذّر الإسلام من كلّ سلوك يترتّب عليه ضرر أو إضرار بالآخرين. كما نهى الإسلام بناء على هذا التّوجيه النّبويّ عن كلّ ما يؤدّي إلى الإصابة بالأمراض وضعف الإنسان، بل دعَا الإسلام إلى أن يكون الإنسان المؤمن قويًا لا ضعيفًا، فالمؤمن القويّ خيرٌ وأحبّ إلى الله من المؤمن الضعيف.وممّا لا شكّ فيه أنّ السّعي إلى قوّة البدن وقوّة الصحة من أهمّ الأمور الّتي يجب أن يسعى إليها المجتمع الإسلامي. وأن ينأى عن كلّ ما يعرّض حياة النّاس إلى الضعف أو إلى ضعف المناعة. وللطب الوقائي ارتباط وثيق بثقافة المجتمع ودينه، والتّعاليم الإسلامية غنيّة بالقيم الوقائية.وهذه التّوجيهات الّتي عرفها الطب مؤخّرًا أمر بها الإسلام منذ أكثر من ألف وأربعمائة عام، وجعلها جزءًا من الدِّين؛ حيث يحثّ الدّين الإسلامي على النّظافة. ولكن للأسف يجهل الكثير من المسلمين هذه التّعاليم؛ ولذا فهم يعانون من هذه الأمراض.وفي مجال الحجر الصحي والعزل والوقاية من الأمراض المعدية، وضع الرّسول عليه الصّلاة والسّلام قيودًا على مَن كان مرضه معديًا، فقال: “لا يحلّ المُمْرض على المُصحّ، وليحلّ المُصحّ حيث شاء”، وقال: “لا يُورَدنّ مُمْرِض على مُصِحّ”، وقال: “إذا سمعتُم بالطّاعون بأرض فلا تدخلوها، وإذا وقع بأرض وأنتم فيها فلا تخرجوا منها”، بل إنّ المسلم مطالب بالالتزام بقواعد الحجر الصحي في حالة الوباء، ولو أدّى ذلك إلى التّضحية بنفسه، فالرّسول صلّى الله عليه وسلّم يقول: “الطّاعون شهادة لكلّ مسلم”.ومن هذا، نرى أنّ الإسلام قد غطّى جميع أوجه الطب الوقائي ومحاولاته، فقدَّم لنا ما يشبه الدستور الصحي الّذي يتناول التّعاليم الرئيسية ذات الصّفة الدّائمة لخلق مجتمع صحي مثالي.ولهذا، لابدّ من إتّباع الأسلوب العقائدي، أي ربط تعاليم الصّحة والنّظافة بعقيدة الأمّة وجعلها جزءًا لا يتجزّأ من حياتها اليومية السياسية والمدنية، وهذا ما فعله الإسلام قبل أكثر من 14 قرنًا من الزّمان ونجح في تحقيقه أعظم نجاح.لقد جاءت هذه الإرشادات بجانب الإرشادات الأخرى الّتي رسَمها الإسلام لعلاج القلوب ووقايتها من أمراضها؛ كالشّهوة والغضب والحقد، وما إليها، ممّا يُفسد على النّاس مجتمعهم، وبهذه وتلك إذا ترسَّمها الإنسان، سَلِم في قلبه وعقله، وفي صحّته وبدنه، فتَسلَم له أداة التّفكير والنّظر في معرفة الحقّ، وتَسلَم له آلات العمل في تنظيم الحياة وعمارة الكون، كما يحبّ الله ويرضى، وبذلك تكتمل له سعادة الدّنيا والآخرة.

مقال مؤرشف


هذا المقال مؤرشف, يتوجب عليك الإشتراك بخطة الممتاز+ لتتمكن من الإطلاع على المقالات المؤرشفة.

تسجيل الدخول باقة الاشتراكات