اهتراء الطرق ومسؤولية الحاكم المسلم في تعبيدها وإصلاحها

+ -

يعاني المواطنون في بلادنا، وعلى مستوى جميع مناطق القطر، ظاهرة اهتراء الطرق وكثرة الحفر بشكل كبير وملفت؛ فلا يكاد يخلو طريق أو شارع من هذه الظاهرة الّتي أثقلت كاهل أصحاب المركبات بمختلف أنواعها الّذين يجدون صعوبات كبيرة في السير عبر الحفر الكثيرة المنتشرة على مستوى جلّ الطرق؛ وما تتكبّده مركباتهم من خسائر تجعلهم ينفقون أموالًا لاقتناء قطع الغيار وإصلاح الأعطاب الّتي غالبًا ما تتسبّب فيها الحفر الكثيرة والخطيرة.هذا الوضع المتردي لبعض الطرق يتطلّب توفير كلّ الإمكانيات من أجل التدخّل العاجل لإصلاح شبكة الطرق بمختلف الأحياء وبخاصة الشعبية والقديمة الّتي أصبحت الميزة الأساسية بها اهتراء الطرق وعدم صلاحيتها لسير المركبات وحتّى الراجلين في بعض الأحيان، وفي أحيان كثيرة تتسبّب هذه الطرق المتهرئة وما بها من حفر إلى حوادث مميتة وإصابات بليغة.ونذكّر السلطات والمسؤولين المحليين بضرورة تحمّل مسؤولياتهم الملقاة على أعناقهم وذلك بالتدخل العاجل من لتسوية الوضعية المزرية للسبل والطرق المتهرئة من أجل إعادة بعث الحياة المطمئنة الهادئة لجميع المواطنين راكبين أو راجلين.صنفان من النَّاس إذا صلُحَا صلح المجتمع، وإذا فسدَا فسد المجتمع: الحكام والعلماء، فالحكام يصلحون دنيا النّاس، بتدبير أمورهم وإصلاح شؤونهم، والعلماء يصلحون دِيْنَ النّاس، بنصحهم وتوجيههم.وإذا كان الحكمُ أمانةً عظيمة يجعلها الله تعالى في عنق من يشاء من عباده، فينبغي للحاكم أن يكون ناصحًا أمينًا، وعادلًا عليمًا، وصادقًا نزيهًا. ينصح رعيته ولا يخونهم، ويؤدّي حقوقهم ولا ينقصهم، ويعدل بينهم ولا يظلمهم، ويسوسهم بالعلم والرِّعاية، لا بالجهل والغواية، ويصْدُقهم ولا يكذبهم، ويتّقي الله فيهم. قال النّبيّ صلى الله عليه وسلم: “مَا مِن أَمِيرٍ يَلِي أَمْرَ الْمُسْلِمِينَ ثُمَّ لَا يَجْهَدُ لَهُمْ وَيَنْصَحُ، إِلَّا لَمْ يَدْخُلْ مَعَهُم الْجَنَّةَ”، ولذلك حذَّر النّبيّ صلى الله عليه وسلم الحاكم الغاشَّ لرعيته بأن يحرَّم الله تعالى عليه الجنّة، فقال صلى الله عليه وسلم: “مَا مِنْ عَبْدٍ يَسْتَرْعِيهِ اللَّهُ رَعِيَّةً يَمُوتُ يَوْمَ يَمُوتُ وَهُوَ غَاشٌّ لِرَعِيَّتِهِ إِلَّا حَرَّمَ اللَّهُ عَلَيْهِ الْجَنَّةَ”.وإنّ من أشراط السّاعة، الّتي تأتي على النّاس بشرٍ مستطير، أن يتولَّى أمور العامَّة من ليس أهلاً لها، فقد قال النّبيّ صلى الله عليه وسلم: “إِذَا ضُيِّعَتِ الْأَمَانَةُ فَانْتَظِرِ السَّاعَةَ”، قال: كَيْفَ إِضَاعَتُهَا؟ قال: “إِذَا وُسِّدَ الْأَمْرُ إِلَى غَيْرِ أَهْلِهِ فَانْتَظِرِ السَّاعَةَ”.واشتراط الأمانة هو إحاطة الحاكم بسياج من الأخلاق الفاضلة الّتي يستلزمها الاضطلاع بمهمّة الحكم، ومن الأمانة الحرص على شؤون الرعية المادية والأدبية والحرص على الدفاع عنها والحزم في توفيرها لهم.. ومنها تعبيد السّبل وتهيئتها أمنة سالكة.لقد قامت سُنّة الكون الّذي خلقه الله عزّ وجلّ على أن يتحمّل كلّ مخلوق مسؤوليته تجاه الآخرين، ففي الحديث أنّ النّبيّ صلى الله عليه وسلم يقول: “كلّكم راع وكلّكم مسؤول عن رعيته”.. فالزّوج راع لزوجته ومسؤول عنها، والأب راع لأبنائه ومسؤول عنهم، والمدير راع لمؤسسته وموظفيها ومسؤول عنها، والوزير راع عن وزارته وأعمالها ومصروفاتها ومسؤول عنها، وقائد المعسكر راع عن معسكره وضباطه وأفراده ومسؤول عنهم، وحاكم البلاد راع لأهل بلاده ورعيته ومسؤول عنهم..والحاكم العام في البلد المسلم فإنّ أعظم المسؤوليات مسؤولياته وأكبر سؤال ينتظر راعيًا هو السؤال الّذي ينتظره، فهو مسؤول عن كلّ المواطنين في الدائرة الّتي يشملها حكمه، والواجبات عليه كبيرة ومتعدّدة أفرد العلماء لها كتبًا كاملة، ومؤلفات شاملة في بيانها وتوضيحها، وهي أعظم من أن تتناولها هذه المقالة، ولكن لا بأس من ذكر أبرزها بإشارة بسيطة.وإنّ من الواجبات الّتي يجب أن يقوم بها الحاكم، وهي ما يُعرف بـ «حقوق الرّعية»، وقد دونت في كتب «الأحكام السلطانية»، فإنّ من أهم تلك الحقوق: حماية بيضة الإسلام والذَّب عنها، فيقوم بدفع المحاربين والباغين وتدبير الجيوش وتجنيد الجنود وتحصين الثغور بالعدة «المانعة»، والعدّة «الدافعة»، وترتيب الأجناد في الجهات على «حسب الحاجات» وتقدير إقطاعهم، وأرزاقهم، وصلاح أحوالهم، وبذل كلّ السّبل لحماية الرعية والدفاع عنهم.ويوضّح عِظَم المسؤولية في هذا الجانب المهم قول عمر بن الخطاب رضي الله عنه: “لو ماتت شاة على شط الفرات ضائعة لظننت أنّ الله تعالى سائلي عنها يوم القيامة”، كما يروى عنه رضي الله عنه قوله: “لو عثرت بغلة في طريق العراق لسألني الله عنها لِمَا لم تصلح لها الطريق يا عمر؟”.لقد اهتمّ الإسلام بشأن المجتمع المسلم، ووضع الأسس والقواعد بناء هذا المجتمع المسلم، وسعى في تحقيق استقراره وثباته واستمرار أمنه، ليعيش النّاس في طمأنينةٍ وأمنٍ وراحة بال ويعبدوا الله بنفسٍ مطمئنة وقلبٍ حاضر.وإنّ من أعظم الأسس الّتي يقوم عليها بناء مجتمعٍ قويٍ متماسكٍ متعاون: التّلاحم بين الرّاعي والرّعية؛ فكلّما وُجِد التّلاحم شاعت الرّحمة والمودّة؛ فلا تستقرّ أحوال أيّ مجتمع دون وجود حاكم ووليّ أمر شرعي، يُقيم القسط، وينشر العدل، ويحوط الأمّة في دينها ودنياها، لا يؤْثر نفسه وقرابته وأهله وعشيرته على سائر رعيته، بل يتحرّى العدل في جميع مسالكه بقدر استطاعته، ويتّخذ بطانة صالحة، ويُكثر مشاورة الحكماء في نوازل الأمّة، فتستقيم أمور دولته، وتحبّه رعيته وتدعو له، ويكثر التّراحم في المجتمع بين الرّاعي والرّعية.يقول الحاكم العادل عمر بن الخطاب في رسالته لحكام الأمّة: “أما بعد، فإنّ أسعد الولاة من سعدت به رعيته، وإنّ أشقى الولاة من شقيت به رعيته”.

مقال مؤرشف


هذا المقال مؤرشف, يتوجب عليك الإشتراك بخطة الممتاز+ لتتمكن من الإطلاع على المقالات المؤرشفة.

تسجيل الدخول باقة الاشتراكات