ضرورة التّكفل بالمحتاجين والمشرّدين في المجتمع

+ -

 في هذه الأجواء الماطرة والباردة الّتي تمرّ بها بلادنا، هذه الأيّام، يعاني بعض أفراد مجتمعنا الجوع والألم، حيث نتذكّر في هذا البرد القارص أحوال الفقراء والمعدمين من إخواننا المسلمين؛ فإنّهم لا يجدون كساءً يحمي أجسادهم، ولا فراشًا يقيهم صقيع الأرض، ولا طعامًا يُقوِّي عودهم على البرد، ولا يملكون وسائل للتدفئة، ومنهم من في بيوتهم مداخل ومخارج للهواء البارد من قلّة ذات اليد، ومنهم من يسكنون صفيحًا يجمدهم وأسرهم وأولادهم.. مع العلم أنّ الله تعالى قد أعطى هؤلاء الفقراء والضعفاء والمساكين والمحتاجين، من أرامل وأيتام، عظيم العناية وشديد الاهتمام.أحببتُ أن أنبّه إخواني المسلمين؛ خوفًا من معرّة الإثم بما يلحقنا من التّقصير في حقّ هؤلاء الضعفاء، ومبيّنًا بعض ما ورد من الآيات الكريمات والأحاديث النّبويّة في حقِّهم، فإنّ للفقراء علينا حقّ دائم، ويتأكّد هذا الحقّ في الأزمات والملمّات، وفي النّكبات والصّعوبات، ومن ذلك أن نرحمهم ونعطف عليهم مع برد الشتاء.فالله تعالى نوّه بذكر ضعفاء المسلمين، ورفع ذِكرهم، وأعلى مقامهم، وأمَر العباد وحضّهم على إيصال الخير والإحسان إليهم، وحثّهم ورغّبهم ووعدهم على ذلك بالثّواب الجزيل؛ قال تعالى: {وَأَحْسِنُوا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ}، وقال سبحانه: {وَآَتِ ذَا الْقُرْبَى حَقَّهُ وَالْمِسْكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ}. وقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: “الرّاحمون يرحمهم الرّحمن، ارحموا من في الأرض يرحمكم من في السّماء”؛ وقال صلّى الله عليه وسلّم: “ابْغُوني في ضُعفائكم، وهل تُنصرون وتُرزقون إلا بضعفائكم؟!”.إنّ من أسباب النَّصر والرِّزق والدِّفاع عن المسلمين وحُصُول البَرَكة والاطمئنان إنّما يحصل بسبب ضعفاء المسلمين، والعطف عليهم، ورحمتهم، والإحسان إليهم..وقد رهن الله عونه لعبده، إن هو احتاج عونه، بعونه لأخيه الإنسان المؤمن، حيث ورد في الحديث الشّريف: “إنَّ الله في عون المؤمن، ما كان المؤمن في عون أخيه”.فعلى كلّ مسلم له سعة في المال أن يغتنمَ حياته، وأن يقدّم لنفسه، وما قدمت يداه فسوف يجده أحوج ما يكون إليه. وقد ورد في الأثر: “صنائع المعروف تقي مصارع السّوء، وصدقة السّرّ تُطفئ غضب الرّبّ، وصلةُ الرَّحِم تزيد في العُمر”. يقول أبو هريرة رضي الله عنه: “كان خير النّاس للمساكين جعفر بن أبي طالب رضي الله عنه، كنتُ إذا سألته عن مسألةٍ لَمْ يُجبني حتّى يذهب بي إلى منزله، فيقول لامرأته: يا أسماء، أطعمينا، فإذا أطعمتنا أجابَني، وكان يحبُّ المساكين ويجلس إليهم ويحدّثهم ويحدّثونه، وكان رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يكنّيه بأبي المساكين، فرضي الله عنه وأرضاه.وحياة النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم وسيرته العطرة زاخرة بمواقفه مع الفقراء، الّتي علّمنا من خلالها أنّ الرّحمة الحقيقية بالفقراء والضعفاء وأصحاب الحاجات، لا تتمثّل في مجرّد تألّم القلب لحالهم - وإن كان ذلك محمودًا - وإنّما حقيقة الرّحمة هي تلك الّتي تدفع صاحبها إلى خطوات فعّالة على قدر استطاعته لمساعدتهم وتقديم سبل العون لهم.إنّ من الأسس والأركان الّتي يقوم عليها بنيان المجتمع الإسلامي هو مدى تكافلهم وقيامهم بشؤون الفقراء والمحتاجين والمرضى، فالإسلام ينظر إلى المجتمع على أنّه كيان إنساني متواصل متراحم، وأنّ الإنسان فيه يجب أن يحيا حياة كريمة تليق بآدميته، وتتّسق مع كرامته الإنسانية، فلا يجوز في الإسلام أن يبقى فردٌ في المجتمع يعاني الجوع ويقاسي البرد والألم، يقهره الحرمان وتذلّه الحاجة، بينما يعيش الآخرون في رغد وهناء، فالمجتمع المسلم كالجسد الواحد في تعاضده وتضامنه، وهو ما عبّر عنه رسول الله صلّى الله عليه وسلّم بقوله: “مثل المؤمنين في توادهم وتراحمهم وتعاطفهم، مثل الجسد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى”.وهذا التّكافل نوعان؛ تكافل معنوي: وذلك بالشّعور النّفسي والتّضامن الأدبي مع بقية أفراد المجتمع المسلم، يفرح لفرحهم ويحزن لحزنهم وألمهم، ويحبّ لهم الخير كما يحبّه لنفسه. وتكافل مادي: وهو بذل المال والوقت لإعانة المحتاجين ومساعدتهم؛ للتغلّب على ظرفهم وتحسين أحوالهم.ويبدأ هذا التّكافل من دائرة الأسرة، استجابة لقوله تعالى: {وَأُولُو الْأَرْحَامِ بَعْضُهُمْ أَوْلَى بِبَعْضٍ فِي كِتَابِ اللهِ}؛ إذ يجب على أفرادها ابتداءً مساعدة بعضهم بعضًا من خلال النّفقات الّتي تعين الفرد وتساعده على المحافظة على حياته، وتؤهّله للاعتماد على نفسه مستقبلًا، وقد اعتبر الإسلام النّفقة على الأقارب من أعظم الصّدقات وأكثرها أجرًا، فقد قال صلّى الله عليه وسلّم: “دينار أنفقته في سبيل الله، ودينار أنفقته في رقبة، ودينار تصّدقت به على مسكين، ودينار أنفقته على أهلك أعظمها أجرًا الّذي أنفقته على أهلك”، ثمّ تنتقل دائرة التّكافل لتشمل كلّ أفراد المجتمع.ولم يكن التّكافل مقتصرًا على المسلم وحده، وإنّما تعدّى ذلك ليشمل كلّ إنسان محتاج للمساعدة والعون، حتّى وإن كان غير مسلم، فقال تعالى: {وَيُطْعِمُونَ الطَّعَامَ عَلَى حُبِّهِ مِسْكِينًا وَيَتِيمًا وَأَسِيرًا}[email protected]

مقال مؤرشف


هذا المقال مؤرشف, يتوجب عليك الإشتراك بخطة الممتاز+ لتتمكن من الإطلاع على المقالات المؤرشفة.

تسجيل الدخول باقة الاشتراكات