انتشار الجرائم في المجتمع وكيفية مواجهتها

38serv

+ -

 إن الجريمة ظاهرة اجتماعية لا يخلو منها مجتمع، فهي تحصل في كل المجتمعات وليست محصورة في فئة أو وسط اجتماعي محدد، وهي أيضا ليست مرتبطة بوقت أو فترة معينة، فهي نشأت منذ بداية التاريخ البشري إلا أنها تختلف كما ونوعا من مجتمع إلى آخر ومن زمن إلى زمن، حيث إن الجريمة ظاهرة اجتماعية تمس أفراد المجتمع وأخطارها تقع عليهم والمجتمع يتأثّر.ظاهرة الجريمة والإجرام عمومًا هي قديمة قدم الإنسانية، ولها دوافع متعدّدة؛ نفسية واقتصادية واجتماعية وثقافية وسياسية. أما إذا حصرنا الظاهرة في بلادنا في الزّمن الحالي، فهناك الكثير مما يُقال، بدءا باندثار الأمل لدى الشباب وانقسام المجتمع إلى طبقات.. ومن أسباب ارتفاع معدلات الجرائم مؤخّرًا، يعود إلى اختلال منظومة القيم وتنامي أنماط العنف الافتراضي وتغيير النمط الاستهلاكي في البلاد.إنّ ضعف الوازع الدّيني يعتبر من الأسباب الرئيسة في انحراف الأولاد ولجوئهم إلى الجريمة، وقد تبيّن للباحثين الاجتماعيين أنّه كان سببًا رئيسًا في ارتكاب كثير من الجرائم.وإنّ من أهم أسباب الإجرام أن يغفل الإنسان عن الله تبارك وتعالى لحظة ارتكاب الجريمة، فتغلبه شهوته فيقع فيما حرّم الله عليه لا نكرانًا ولا جهلًا، ولكنّه يفعل ذلك غفلة ونسيانًا؛ فتزدريه النّفس الأمّارة بالسّوء، ويقوده الشّيطان الّذي لا يقوده إلّا إلى ما يهلكه، وحينئذ يتّبع هواه فيتردّى في الوحل وينساق وراء الشّهوات، فيكون كالحيوان البهيمي ينساق وراء شهواته وجرائمه.ومن العوامل الأساسية الّتي تؤدّي إلى انحراف الأولاد احتداد النّزاع واستمرار الشّقاق بين الزّوجين وكثرة المشاكل بينهما والعلاج يمكن في اختيار الزّوجة على أساس الدّين والصّلاح والمعرفة.وتشكّل الجريمة في مختلف دول العالم عبئًا اقتصاديًا ضخمًا، إضافة إلى الجوانب والأعباء المتعدّدة لتكلفتها على المستوى البشري والاجتماعي والأمني.ويحارب الإسلام الجرائم؛ لأنّه يفترض أنّ الإنسان يجب أن يعيش من طريق شريف، وأن يحيا على ثمرات كفاحه وجهده الخاص، أي أنّه لا يبنى كيانه على الإجرام. وقد احترم الإسلام حقّ الملكيّة، واعتبره حقًّا مقدّسًا، لا يحلّ لأحد أن يعتدي عليه بأيّ وجه من الوجوه، ولهذا حرّم الإسلام السّرقة، والغصب، والرّبا، والغشّ، وتطفيف الكيل والوزن، واعتبر كلّ مال أُخِذ بغيرِ سبب مشروع فهو أكل للمال بالباطل.إنّ الجريمة سلوك شاذ، يهدّد أمن الأفراد، واستقرار المجتمعات، ويقوّض أركان الدول والبلاد، وأحكام الشّريعة الإسلامية الغرّاء بعدلها القويم، ومبادئها الشّاملة تدور حول صيانة الضّرورات الأساسيَّة الّتي لا يستطيع الإنسان أن يستغني عنها، ويعيش من دونها، وقد وضعت الشّريعة الإسلاميَّة في سبيل المحافظة على هذه الكليات عقوبات زاجرة وأليمة لكلّ من يتعدَّى عليها، وينتهك حرمتها. وحرص الإسلام على الوقاية من الجريمة، وحاربها بطرق متعدّدة، وعلى مستويات مختلفة، وإحدى الطرق الّتي اتّبعها في ذلك هي وضعه لنظام العقوبة. فالإسلام يوفّر العيش الكريم والعمل الشّريف ويرعى الفقراء والمساكين قبل أن يقيم حدّ السّرقة أو يقطع الأيدي...ولم تُشَرّع العقوبات في الإسلام بهدف الانتقام من المجرمين، وإنّما لها أهداف وغايات عظيمة، ومنها: الحفاظ على المصالح الأساسية للمجتمع وهي: الدّين والنّفس والعقل والنّسل والمال، وهي ما تُعرَف بـ”الكليات الخمس”. وردع المجرم عن ارتكاب جريمته، فعندما يرى العقوبة فإنّه من المؤكّد سيرتدع عنها مرّة أخرى.إنّ انتشار الإجرام بين النّاس مؤذن بخطر عظيم، فهو مقتضٍ لحصول مقت الله سبحانه وتعالى وسخطه، وإذا حلّ المقت فإنّ العقوبة ستكون شاملة، فعن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما أنّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: “يا معشر المهاجرين! أعيذكم بالله أن تدركوا خمسًا: ما نقص قوم المكيال والميزان إلّا أُخِذوا بالسّنين، وجور السّلطان ونقص المئونة، وما نقض قوم عهد الله وميثاقه إلّا سلّط عليهم عدوًا من سواهم فأخذ بعض ما في أيديهم، وما منع قوم زكاة أموالهم إلّا منعوا المطر من السّماء، ولولا البهائم لم يمطروا، وما ظهرت الفاحشة في قوم فأعلنوا بها إلّا ظهرت فيهم الأمراض الّتي لم تكن فيمن مضوا من أسلافهم، وما حكم قوم بغير ما أنزل الله إلّا جعل الله بأسهم بينهم”. ويجب التّعاون بين جميع الفئات: الأسرة، المدرسة، المجتمع والدولة، ولقد أشركت الشّريعة الإسلامية المجتمع كلّه في الإصلاح، والخطوة الأهم في هذه المواجهة تتمثّل في سيادة العدل، فالظّلم سبب أساسي لانحراف الأفراد.وإنّ التّربية الإسلامية المستمرّة بالحكمة والموعظة الحسنة ثمّ التّوعية المستمرّة بالجريمة وأخطارها من كافة الجهات المعنية، وأيضًا سدّ الأبواب والمنافذ الّتي تؤدّي إلى اقتراف الجريمة، ثمّ إقامة العقوبة الشّرعية الرّادعة، كلّ هذه الخطوات تؤدّي إلى مكافحة الجريمة وتنقية المجتمع من أخطارها، وبذلك فقد تكفّلت التّشريعات الجنائية الإسلامية على عاتقها عبء مكافحة الجريمة والتّصدّي لها؛ حماية للمجتمع من أن يقع فريسة لها بمختلف أنواعها.

مقال مؤرشف


هذا المقال مؤرشف, يتوجب عليك الإشتراك بخطة الممتاز+ لتتمكن من الإطلاع على المقالات المؤرشفة.

تسجيل الدخول باقة الاشتراكات