+ -

بدأ المسلمون فتوحاتهم للهند في عهد ولاية الحجاج بن يوسف الثقفي زمن الدولة الأموية، وقبل ظهور الإسلام كانت الهندوسية كبرى الديانات انتشارا في الهند تليها البوذية، وكانت علاقات أهل الهند وثيقة مع العرب لوجود التجارة المستمرة، إذ إن بحر العرب يربط بين بلدان شبه الجزيرة العربية وبلاد الهند، وكان العرب على خبرة بالمدن المهمّة على سواحل الهند، وذهب التجار العرب إلى أبعد من ذلك، فقد أنشاؤوا جاليات صغيرة في خليج البنغال وبلاد الملايو.لقد كانت للحركة التجارية العربية مع الهند أهميةً كبيرة في نقل الإسلام وتعاليمه منذ بداية انتشار الدّين الحنيف، فتحدّث التجار العرب بحماس عن الرّسول الجديد ودعوته للعدل والمساواة وإنكار العبودية، في وقت كانت تعاني الهند من التفرقة والتشتّت ونظام الطبقات الّذي تقوم عليه الديانة الهندوسية، لتحدث المقارنة بين الدّيانتين ومبادئهما، ليجد الإسلام بالهند أرضًا خصبة للانتشار شيئًا فشيئًا.الانتشار الملحوظ للإسلام في الهند بدأ مع نهاية القرن الأوّل الهجري إثر حملة القائد محمد بن القاسم الثقفي ذي الثمانية عشر عامًا عام 93هـ، إلّا أنّ المسلمين لم يحكموا كلّ الهند إلّا بدءًا من القرن الرابع الهجري/الحادي عشر الميلادي إلى القرن الثاني عشر هجري/التاسع عشر الميلادي، واللافت أنّه على الرّغم من استمرار حكم الدول الإسلامية المتعاقبة للهند لثمانية قرون وازدهار حضارتهم هناك، إلّا أنّ المسلمين ظلّوا أقلية مقارنة بالغالبية الهندوسية ولم يسعوا لمَحْوِ هُويتهم وثقافتهم كما تفعل السلطات الهندوسية الآن مع المسلمين!ومع سيطرة الاستعمار البريطاني على الهند في القرن التاسع عشر، سعى البريطانيون للتّمكين للهندوس في مؤسسات الدولة وصادروا أوقاف المسلمين، وبدأوا برامج الهندسة الاجتماعية بعلمنة التعليم وإطلاق العنان لحملات التبشير.وبعد استقلال الهند عن بريطانيا عام 1947م، وانقسامها إلى دولتين: الهند وباكستان، الأولى تحكمها الغالبية الهندوسية مع وجود أقليات، أكبرها المسلمون (تقريبًا 15%)، والثانية أُسّست دولة للمسلمين. المسلمون الّذين بقوا في الهند تحالفوا مع حزب المؤتمر الوطني الهندي، بقيادة مؤسّس الهند الحديثة غاندي لحماية أنفسهم، مع تشبّثهم بخصوصياتهم الدّينية والثقافية والاجتماعية.وعلى الرّغم من وقوع أعمال عنف طائفية عديدة ضدّ المسلمين منذ قيام الدولة الهندية الديمقراطية الحديثة، فإنّ السياسات المتبعة في السنوات الأخيرة بعد صعود الحزب اليميني المتطرف بهاراتيا غاناتا عام 2014م بقيادة قائده ناريندرا مودي، تبدو غير مسبوقة؛ فقد انتقل الأمر من هجمات أو مجازر متفرقة كلّ عدّة أعوام ترتكبها جماعات هندوسية متطرفة (خارج السلطة)، بغضّ طرف أو تواطؤ من السلطات الحاكمة، إلى طرح الحكومة “قانون تعديل المواطنة” نهاية عام 2019م، ولكنّه لم يطبّق لاندلاع مظاهرات واحتجاجات كبيرة على امتداد الجغرافيا الهندية، قادها المسلمون لثلاثة أشهر قبل أن تطلّ على العالم كورونا وتفرض السلطات الهندية الإغلاق التام بالقوّة في مارس 2020م.والآن تعيد حكومة رئيس الوزراء مودي الكرَّة وتبدأ في محاولة فرض هذا القانون على أرض الواقع عبر تهجير المسلمين من أهل ولاية آسام وقتلهم.وتُهجّر السلطات الهندية بشكل متعسّف وقسري منذ 20 سبتمبر الجاري، أكثر من 800 عائلة مسلمة في ولاية أسام، وتزيل مساكنهم البسيطة المصنوعة من الصفيح، وذلك بحجة أنّها مقامة على أرض مملوكة للدولة.إنّ مسلمي الهند يتعرّضون لأبشع أنواع التّنكيل ومن الاضطهاد والإفناء الممنهج من قِبل المتطرفين الهندوس وبحماية الدولة، وفي ظلّ سكوت عالمي مريب، ممّا يستوجب علينا التّذكير بمعاناتهم وما يجب علينا القيام به. لذا ندعو جميع المسلمين إلى توحيد جهودهم لنصرة إخوانهم المسلمين المستضعفين في مشارق الأرض ومغاربه. وإنّه لاعتباراتٍ إنسانية، ومن إحساسنا بأنّنا مسلمين، واجبنا أن ننصر إخواننا أينما كانوا، حيث يجب على المؤمنين أن يكونوا صفًا واحدًا، كما قال الله عزّ وجلّ: {إِنَّ هَذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَأَنَا رَبُّكُمْ فَاعْبُدُونِ}، وقوله صلّى الله عليه وسلّم: “المسلم أخو المسلم لا يظلمه ولا يسلمه ولا يخذله ولا يحقره”.ولقد جاء قول الله عزّ وجلّ: {إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ}، بسياق التآخي وزرع السّلام ومحبّة الآخر وعدم نشر الكراهية، فالمسلمون إخوة في السّرّاء وفي الضّرّاء، لكن فِتن الغرب ودول الاستكبار العالمي، لم يدّخروا جهدًا لتغيير هذه الحقيقة عبر بثّ الصّراعات في الأمّتين العربية والإسلامية ونشر الفتن وبذور الفرقة بينهم من أجل تحقيق مآربهم، وأمّتنا مع الأسف ما زالت تثق في تلك الدول وتسلّمها ما تملك عن اختيار وطواعية دون إحساس أو ضمير.وتستطيع الحكومات الإسلامية ومنظمة المؤتمر الإسلامي بالخصوص بما لديها من إمكانيات ومصالح متبادلة مع الهند؛ إرغامها على وضع حدّ للتّجاوزات القمعية العنصرية بحقّ إخواننا المسلمين في تلك البلاد والوصول إلى حلّ يرضي هذه الفئة المظلومة ويعيد إليها حقّها في الحياة الكريمة. وعلى المسلمين المطالبة بالتّعاون البناء الحقيقي الصّادق لتحقيق السّلم والسّلام الاجتماعي.

مقال مؤرشف


هذا المقال مؤرشف, يتوجب عليك الإشتراك بخطة الممتاز+ لتتمكن من الإطلاع على المقالات المؤرشفة.

تسجيل الدخول باقة الاشتراكات