+ -

 عادت نسبة 98 بالمائة لتظهر في نتائج الاستفتاء في مصر، بعدما اعتقد الكثيرون أن ثورة 25 جانفي جاءت لتضع حدا لمثل هذه النسب التي تحاول عبثا الإقناع بأن الموضوع المستفتى عليه، أيا كان، يلقى قبول جموع الجماهير الناخبة، وهو أمر لا تقبله طبيعة البشر المختلفة والمتقلبة ولا حتى قوانين السياسة التي تؤكد أن مثل هذه النسب لا تظهر إلا في الأنظمة الشمولية الإقصائية التي تضع شعوبها في قالب موحد لا يقبل الاختلاف.وهو ما عدنا لنشاهده في مصر بعدما قرر الحكام الجدد أن من ليس معهم “إرهابي” لا بد من استئصاله، والحال أن الأخبار الواردة من أرض الفراعنة تعيد إلى الأذهان الحملة التي قادها السيناتور الأمريكي جوزيف ماكارثي في خمسينيات القرن الماضي ضد كل من اشتم فيه رائحة الفكر الشيوعي تحت طائلة التجسس لصالح الاتحاد السوفياتي، وهي الحملة التي استمرت طيلة أربع سنوات واستهدفت رجال الفكر والفن ومواطنين وعمالا حكوميين أقل تهمة وجهت لهم مطالعة كتب يسارية، غير أن أمريكا عادت لرشدها وأيقنت في ظل غياب أدلة مقنعة تُثبت التهم الموجهة لليساريين بالخيانة أو التآمر على الوطن، أن الزوبعة التي أقامها السيناتور كانت في فنجان وأن جعجعته كانت بلا طحين.الواقع أن مصر الجديدة استعارت أساليب النظام السابق فيما يتعلق بالتخوين وتسليط نخبة سابحة في فلك الحاكم على كل مخالف للرأي السائد والذي يقول إن جماعة الإخوان إرهابية وتستحق ما يحدث لها، نجح النظام الجديد في خلق بعبع يخشاه الناس ليُقدم نفسه على أنه حامي الوطن والشعب وتعود رنة المصلحة العليا التي لا يعلو صوت فوق صوتها وكل من يجرؤ على الجهر بموقف مغاير يحق فيه وصف الخيانة.وجاء دستور 98 بالمائة ليعطي الشرعية لمحق الأقلية مع أن الديمقراطية لم تكن يوما تغليب فريق، وإن كان يُمثل الأغلبية، على فريق يعد أقلية، وهو بالذات ما أعابه العلمانيون على حكم الإخوان الذين تحججوا بحصولهم على الأغلبية، وهو ما ظنوا أنه يفتح الباب أمامهم لتجاهل الرأي الآخر، فجنوا على أنفسهم الغضب الشعبي.يبقى أنه على الرغم مما قد يراه الكثيرون على أنه إجهاض لثورة 25 جانفي، قد يكون مرحلة وخطوة جديدة باتجاه الديمقراطية، وقد يستفيق المصريون بعد زمن، قصر أو طال، على حقيقة ما يحدث ليطالبوا بالتغيير من جديد، تغيير النظام وتغيير دستور الأغلبية بدستور توافقي يقبل بالاختلاف الموجود على الأرض، ففي نهاية الأمر الديمقراطية ليست وصفة قوامها صناديق اقتراع ونسب مائوية ولجان مراقبة، بقدر ما هي مسار تصنعه الشعوب بنضالها وإصرارها على المضي قدما. [email protected]

مقال مؤرشف


هذا المقال مؤرشف, يتوجب عليك الإشتراك بخطة الممتاز+ لتتمكن من الإطلاع على المقالات المؤرشفة.

تسجيل الدخول باقة الاشتراكات