للأغنية الأمازيغية جذور تسافر عبر الأزمنة، منذ بداية التاريخ للسنة الأمازيغية قبل 2965 عام. وباحتفالنا به منذ يومين، نحكي ليالي القعدات العائلية القبائلية، ونسرد حكايات الحب والوطن، تقدمها قامات غنائية سجلت أسماءها بحروف من ذهب في ”ريبرتوار” الأغنية العالمية، كالفنان إيدير، تاكفريناس، سليمان عازم، شريف خدام، الشيخ الحسناوي، لونيس آيت منڤلات، إيدير فرحات، إمازيغن، إمولة عبلاش وطبعا الراحل معطوب الوناس .البداية بصوت المرأةيؤكد الباحثون في الموسيقى أن حكاية الأغنية الأمازيغية متجذرة في التاريخ الجزائري، لدرجة يصعب البحث عن أولى الأغاني، لكن الوارد، حسب الدراسات والأبحاث، أن سحر الأغنية انطلق من القعدات العائلية بصوت النساء في الأفراح التي صنعت أمجاد الأغنية القبائلية الفلكلورية الأصيلة، وقد كانت البداية مع نمط ”أشويق” الذي كان مخصصا للمرأة الأمازيغية للتعبير عن شعور الفرح أو الحزن. لم يكن الغناء في البداية يعتمد على الإيقاع، لكنه تطور عبر العصور وبات لونا موسيقيا نسائيا عذبا قدمته العديد من الأصوات النسائية الأمازيغية في القرن الماضي كالشيخة يمينة، الشيخة نورة، ووالدة المغني الأمازيغي الراحل معطوب لوناس، وأيضا الشيخة شريفة الراحلة، ابنة إيلماين بأقبو، وتعتبر واحدة من رموز الأغنية الأمازيغية، التي واصلت مسيرة الكلمة النقية وحكايات الأجداد. ولاتزال المرأة الأمازيغية التي لها الفضل الكبير في الحفاظ على الإرث الموسيقي الأمازيغي تواصل مسيرة التاريخ الموسيقي الجزائري، حيث نسجل حضورها في عديد العناوين مثل أغنية ‘’أبقى على خير أيا اقبو’’ التي قدمتها لالة شريفة العام 1952، وأيضا ‘’ايازرزور’’، عام 1956 و’’ازواو’’ عام 1972 و’’أهيها’’، وتواصل مسيرتها اليوم أصوات شابة مثل لويزة وحسيبو كردوس.الجنرال الذي أبهر العالمجاء الدور اليوم، بعد أن قطعت الأغنية الأمازيغية أشواطا في حكاية العادات والتقاليد والتغني بمشاعر الجزائري، مع أغنية ”أفافا ينوفا” التي قدمها الفنان إيدير قبل نحو ثلاثين عاما، وأصبحت واحدة من أشهر الأغاني الجزائرية المكتوبة باللّغة الأمازيغية، وقد أعاد الأغنية العديد من المغنين في العالم فسافرت إلى أوروبا، أمريكا وحتى الصين. وتحكي الأغنية يوميات الجزائري في فصل الشتاء وسط البرد القارس الذي يطلق عليه سكان منطقة القبائل اسم ”جنرال الثلج”، ولكن عذوبة كلمات وموسيقى الأغنية تجعل من الأجواء في أعالي جبال القبائل دافئة وحميمية، كما تختزل الأغنية تاريخ المنطقة الأسطوري. وكانت سنة 1970 محطة فارقة في تاريخ الأغنية الأمازيغية التي تقربت أكثر من الطبوع الغنائية الحديثة والعالمية، ويعتبر محمد علاوة اليوم واحدا من رواد الموسيقى الأمازيغية الحديثة على غرار تاكفريناس، اللذين استخدما ”القيثار الكهربائي” والآلات الموسيقية الغربية.”يا المنفي”.. رحلة التمازج العربيبدأت العام 1933 بمنطقة بوغني ولاية تيزي وزو شرق الجزائر العاصمة مع ولادة المغني الجزائري الأمازيغي أكلي يحياتن، مرحلة جديدة من تاريخ الأغنية الأمازيغية، فهذا المغني المتشبع بروح الوطنية، حيث اعتقل عدة مرات من طرف قوات الاحتلال الفرنسي، وشارك في تأسيس جبهة القوى الاشتراكية، من أوائل المغنين الذين توجهوا إلى الانفتاح على اللغة العربية، حيث قدم أغنية ”يا المنفي”. حبه ودفاعه المستميت عن الأمازيغية، كان أيضا موصولا بالانفتاح على الثقافات واللغات، ما جعله يوصف بعملاق الأغنية القبائلية. وقد سار على خط الانفتاح على الثقافة العربية العديد من الفنانين الأمازيغ الذين تأثروا بالموسيقى العربية والأندلسية وقدموا عشرات الأغاني التي تمازجت بين الكلمات العربية والأمازيغية لتعكس التنوع الثقافي الجزائري، من بينهم معطوب لوناس الذي اقترب من الطابع الشعبي.من عمق الصحراء الجزائريةلا يمكن المرور اليوم على تاريخ الأغنية الأمازيغية دون الحديث عن فن ”أهليل” القادم من واحة ڤورارة بمدينة تيميمون. وحسب موقع ”اليونيسكو”، فإن هذا النمط الغنائي بات موروثا موسيقيا عالميا من أصل صحراوي جزائري، يمتزج بين الأمازيغي، العربي والسوداني. ويعود أصل ”أهليل” إلى منطقة الڤرارة التي يسكنها الناطقون باللغة الأمازيغية، يركز على التغني بالعادات والمدائح الدينية ويذكر فضائل ومناقب الأولياء الصالحين، إضافة إلى حكاية شؤون الحياة اليومية في الصحراء، ويسرد قصص حب الرسول والله بمنطقة ڤورارة، وقد صنفت ”اليونيسكو” هذا النمط الفني العام 2005 ضمن التراث اللامادي العالمي، وذلك كاعتراف به رمزا للإنسانية عبر العصور.
مقال مؤرشف
هذا المقال مؤرشف, يتوجب عليك الإشتراك بخطة الممتاز+ لتتمكن من الإطلاع على المقالات المؤرشفة.
تسجيل الدخول باقة الاشتراكات