38serv

+ -

 ورد في السنن من حديث أنس بن مالك رضي الله عنه أنّ ناسا قالوا: يا رسول الله، غلَا السّعر فسَعِّر لنا، فقال عليه الصّلاة والسّلام: “إنّ الله هو المسعِّر القابض الباسط الرّازق، وإنّي لأرجو أنّ ألقى الله وليس أحد منكم يُطالبني بمَظلمة في دم ولا مال”.الشّريعة المحمّدية من خلال هذا النص يتّضح أنّها لا تسعى لتحديد الأسعار إذا لم يكن هناك جشع من التجار؛ وحدوث تقلبات بسبب العرض والطلب، وقلّة السلع وشحّها، فإذا حدث ضرر على النّاس بسبب طمع التجار، فيرى أهل العلم أنّه لا مناص من التّسعير.والشّريعة أيضًا لا ترى مانعًا بأن يُتاجر النّاس ويضربوا في الأرض طلبًا للرّزق والرّبح، إنّما بالتّيسير والتّسهيل على إخوانهم، ودون عنت ومشقّة، بل عدَّت ذلك بابًا عظيمًا من أبواب الرّحمة والإحسان، فعند البخاري يقول صلّى الله عليه وسلّم: “رحم الله رجلًا سمحًا إذا باع، وإذا اشترى، وإذا اقتضى”.وحذّر سيّد الخلق عليه الصّلاة والسّلام التجار من المغالاة في الأسعار نتيجة جشع جارف منهم، قال معقل بن يسار رضي الله عنه: سمعتُ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يقول: “مَن دخل في شيء من أسعار المسلمين ليُغْلِيَه عليهم، فإنّ حقًّا على الله أن يقذفه في جهنّم”، كما بيّن المصطفى صلّى الله عليه وسلّم أنّ المغالاة الفاحشة في الأسعار قد تقود إلى أكل السُّحت عياذًا بالله، فعن كعب بن عُجرة رضي الله عنه قال: قال لي رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: “أعيذك بالله يا كعب بن عُجرة من أمراء يكونون من بعدي، فمَن غشي أبوابهم فصدّقَهُم في كذبهم وأعانهم على ظلمهم، فليس منّي ولستُ منه، ولا يَرِد عليّ الحوض، ومَن غشي أبوابهم أو لم يغش فلم يصدّقهم في كذبهم، ولم يعنهم على ظلمهم، فهو منّي وأنا منه، وسيَرِد عليّ الحوض، يا كعب بن عُجرة: الصّلاة برهان، والصّوم جُنّة حصينة، والصّدقة تُطفئ الخطيئة كما يطفئ الماء النّار، يا كعب بن عُجرة: إنّه لا يربو لحم نبت من سُحت إلّا كانت النّار أولى به”. وممّا جاء تحريمه شرعًا حماية للمستهلك: النَّجْشِ؛ وهو الزّيادة في قيمة السّلعة عبثًا ممّن لا يريد شراءها، فعند الشيخين من حديث ابن عمر رضي الله عنهما قال: “نهى النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم عن النَّجْشِ”، وكذلك ورد النّهيّ عن تلقّي الرّكبان خارج الأسواق؛ لأنّ ذلك مآله إلى غلاء الأسعار، ففي الصحيح عن أبي هريرة رضي الله عنه أنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال: “لا يُتَلَقَّى الرّكبان لبيع، ولا يبع بعضكم على بيع بعض، ولا تناجشوا، ولا يبع حاضر لباد، ولا تصرّوا الإبل والغنم، فمن ابتاعها بعد ذلك فهو بخير النَّظَرَيْنِ بعد أن يحلبها، فإن رضيها أمسكها، وإن سخطها ردّها وصاعًا من تمر”.ويُحرَم شرعًا كلّ ما من شأنه أن يقود إلى التّلاعب بالأسعار وبأقوات عباد الله، ومنه الاحتكار، وهو حبس السّلع عند حاجة النّاس إليها لتشحّ من الأسواق فيغلو ثمنُها، فعند مسلم عن معمر بن عبد الله، يقول عليه الصّلاة والسّلام: “لا يحتكر إلّا خاطئ” أي: آثم، والذّنوب والمخالفات الشّرعية والتّعدّي على حدود الله من أسباب ضيق العيش، وقلّة ذات اليد: “إنّ الرجل ليحرم الرّزق بسبب الذّنب يُصيبه”.فحريّ بالمسلم أن يسعى للتّوبة والاستغفار؛ والإنابة والأوبة إلى ربّه، قصد بعضهم أحد الصّالحين يشتكي إليه غلاء الأسعار، فقال العبد الصّالح: والله ما همّني لو أصبحت حبّة القمح بدينار، عليّ أن أعبده كما أمرني، وعليه أن يرزقني كما وعدني. والمواطن المستهلك بإمكانه أن يساهم في استقرار الأسعار، ففي خلافة عمر رضي الله عنه حيث جاء إليه جمع من النّاس وقالوا: نشتكي إليك غلاء اللّحم فسَعّرهُ لنا، فقال: أرخصوه أنتم؟ فقالوا: نحن نشتكي غلاء السّعر واللّحم عند الجزارين، ونحن أصحاب الحاجة فتقول: أرخصوه أنتم؟ وقالوا: وهل نملكه حتّى نرخّصه؟ وكيف نرخّصه وهو ليس في أيدينا؟ فقال لهم: أرخصوه بتركه.فالحذر الحذر أيّها التاجر من أن تقع تحت هذا الوعيد النّبويّ، فعن رِفَاعَةَ بن رافع الزُّرَقِيِّ رضي الله عنه أنّه خرج مع النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم إلى المُصلّى، فرأى النّاس يتبايعون فقال: “يا معشر التجار”، فاستجابوا لرسول الله ورفعوا أعناقهم وأبصارهم إليه، فقال: “إنّ التجار يبعثون يوم القيامة فُجّارًا إلّا مَن اتّقى الله وبرّ وصدق”. والله وليّ التّوفيق.*إمام مسجد عمر بن الخطّاب،بن غازي - براقي

مقال مؤرشف


هذا المقال مؤرشف, يتوجب عليك الإشتراك بخطة الممتاز+ لتتمكن من الإطلاع على المقالات المؤرشفة.

تسجيل الدخول باقة الاشتراكات