+ -

ورد في الصحيحين من حديث أبي سعيد الخدري قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: “لتتبعنّ سَنَن الّذين من قبلكم شِبرًا بشِبرٍ وذراعًا بذراعٍ، حتّى لو دخلوا في جحر ضبّ لاتّبعتموهم”، قلنا: يا رسول الله اليهود والنّصارى؟ قال: “فمن؟”.قال الحافظ ابن حجر في الفتح نقلًا عن ابن بطال المالكي: “أعْلَمَ صلّى الله عليه وسلّم أنّ أمّته ستتّبع المُحدثات من الأمور والبدع والأهواء كما وقع للأمم قبلهم، وقد أنذر في أحاديث كثيرة بأنّ الآخر شرّ، والسّاعة لا تقوم إلّا على شرار النّاس، وأنّ الدّين إنّما يبقى قائمًا عند خاصة من النّاس”. ثمّ قال الحافظ: “قلتُ: وقد وقع معظم ما أنذر به صلّى الله عليه وسلّم وسيقع بقيّة ذلك”.الضبّ يُقال له: قاضي البهائم، تقول العرب: إنّ الله لمّا خلق الإنسان اجتمعت العجماوات فقالوا للضبّ: إنّ هذا الإنسان يصطاد الطّائر من السّماء، ويخرج الحوت من الماء، فقال لهم: مَن كان ذا جناحين فليطر، ومَن كان ذا مخلب فليَحفر، ومَن كان في الماء فليسبح فيهرب، فسمّيَ بذلك قاضي البهائم.إنّه من الملاحظ في هذه الأيّام الحلكات تساهل النّاس في اقتناء الكلاب لغير حاجة، والسّير بها في الطرقات والحدائق والأماكن العامة، اتباعًا وتقليدًا لأهل الملل المنحرفة من يهود ونصارى ومجوس، والمصطفى صلّى الله عليه وسلّم يقول كما عند البخاري عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما: “مَن اقتنى كلبًا، إلّا كلبًا ضاريًا لصيد أو كلب ماشية، فإنّه ينقص من أجره كلّ يوم قيراطانِ”. وعنه رضي الله عنه كما في صحيح مسلم قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: “أيما أهل دار اتّخذوا كلبًا إلّا كلب ماشية أو كلب صائد، نقص من عملهم كلّ يوم قيراطان”. وفي المسند عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: “مَن اتّخذ كلبًا غير كلب زرع أو ضرع أو صيد نقص من عمله كلّ يوم قيراط”.فهذه النّصوص النّبويّة بيّنَت بوضوح موقف الشّرع من اقتناء الكلاب، وأنّ الأصل في اقتنائها التّحريم، لكن الشّارع رخَّص في بعض الحالات الّتي يجوز فيها اقتناؤها، وهذه الحالات الجامع فيها الحاجة، فإن انتفت الحاجة رجع الحكم إلى الأصل، وهو التّحريم. وقد عَدّ أهل العلم اقتناء الكلاب والعناية بها وتربيتها كبيرة من كبائر الذّنوب؛ لأنّ الّذي يقتني الكلب إلّا ما استثناه الشّرع ينقص كلّ يوم من أجره قيراطان، ثمّ إنّ ذلك العمل فيه تشبّه كما ذكرنا، فالكفار من يهود ونصارى ومجوس وغيرهم من الملل والنِّحل شرقًا وغربًا تجد كلّ فرد منهم له كلب، عياذًا بالله يتّخذه معه ويساكنه، بل وحتّى ينام معه، ويسعى بعناية فينظّفه بالصابون، مع أنّه لو نظّفه بماء البحر ما طهُر؛ لأنّ نجاسته عينية، والنّجاسة العينية لا تطهّر إلّا بتلفها وزوالها.إنّ البعض ممّن يقترفون هذه الشّنائع قد يحتجّون بأنّ اقتناءهم لهذه البهيمة من قبيل اتّخاذه للحراسة وهذا باطل، لأنّ مَن استوطن المدينة لا يحتاج للحراسة، وقد عقد ابن قُدامَة المقدسي رحمه الله بابًا قال فيه: “فصل في اقتناء الكلب، ولا يجوز اقتناء الكلب، إلّا كلب الصيد، أو كلب ماشية، أو حرث؛ لمَا رُويَ عن أبي هريرة، عن النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم أنّه قال: “مَن اتّخذ كلبًا إلّا كلب صيد أو ماشية أو زرع، نقُص من أجره كلّ يوم قيراط»، وإن اقتناه لحفظ البيوت لم يجز للخبر، ويحتمل الإباحة، وهو قول أصحاب الشّافعي؛ لأنّه في معنى الثلاثة، فيقاس عليها، والأوّل أصحّ؛ لأنّ قياس غير الثلاثة عليها يبيح ما يتناول الخبر تحريمه”. قال القاضي عياض: “وليس هو في معناها، فقد يحتال اللص لإخراجه بشيء يطعمه إيّاه، ثمّ يسرق المتاع”.فها قد اتّضح لك أيّها الفاضل موقف الشّرع من هذه العادة الذّميمة، فما عليك إلّا أن تمتثل. قال تعالى: {وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلَا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى الله وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ}، وقال سبحانه: {فَلَا وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لَا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجًا مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا}، وفي الصّحيح: “والّذي نفسي بيده لا يؤمن أحدكم حتّى يكون هواه تَبَعًا لِمَا جِئتُ به”. والله وليّ التّوفيق.* إمام مسجد عمر بن الخطّاب، بن غازي - براقي

مقال مؤرشف


هذا المقال مؤرشف, يتوجب عليك الإشتراك بخطة الممتاز+ لتتمكن من الإطلاع على المقالات المؤرشفة.

تسجيل الدخول باقة الاشتراكات