سأستسمح روح الحكيم الراحل والرجل القامة عبد الحميد مهري، الأمين العام الأسبق لحزب جبهة التحرير الوطني، في أن أختصر رسالة وجهها في 16 فيفري 2011، إلى الرئيس عبد العزيز بوتفليقة، ففيها من الحكمة السياسية والقيمة التاريخية ما يجبرنا على أن نعيد قراءتها أكثر من مرة.جاء في رسالة مهري:«فضّلت هذه الطريقة المفتوحة لمخاطبتك، لأنك تحتلّ موقع الصدارة والأولوية، ولكنك لست الوحيد المقصود بمحتوى الرسالة، ولا الجهة الوحيدة المدعوّة لمعالجة القضايا التي تطرحها. وقد توخّيت في هذه الرسالة قدرا من الصراحة، أفضل بكثير من الصمت المتواطئ، أو المسايرة دون اقتناع”.“سيدي الرئيس، إنك اليوم في قمّة الهرم لنظام حكم لست مسؤولا وحدك عن إقامة صرحه. لكنك اليوم، بحكم موقعك، تتحمّل، ومعك جميع الذين يشاركونك صنع القرار، مسؤولية كبيرة في تمديد فترة هذا الحكم الذي طغت، منذ سنين، سلبياته على إيجابياته، ولم يعد، فوق هذا كله، قادرًا على حل المشاكل الكبرى التي تواجه بلادنا، وهي عديدة ومعقّدة، لا قادرًا على إعدادها الإعداد الناجع لمواجهة تحدّيات المستقبل، وهي أكثر تعقيدا وخطورة”. “وأصبحت الفئات أو الدوائر السياسية عرضة للإقصاء والتهميش في آخره فنتج عن هذه الممارسة، التي سرت عدواها لبعض أحزاب المعارضة، عزوف آلاف المناضلين عن العمل السياسي، وانكماش القاعدة الاجتماعية لنظام الحكم، وتضييق دائرة القرار في قمته”. «لقد كانت تُنظّم، في كل مرحلة من مراحل هذا النظام، بدل التقييم النقدي الموضوعي لنظام الحكم، حملات التمجيد أو التنديد المفصّلة على مقاس الأشخاص، وتلوين العشريات بما يكفي للتستر على طبيعة نظام الحكم وممارساته، إنّ الأصوات المطالِبة بتغيير هذا النظام، والحريصة على أن يتمّ هذا التغيير في كنف السلم والنقاش الحر، كثيرة، والنذر التي تنبّه لضرورة هذا التغيير ظاهرة للعيان منذ سنوات عديدة، ولكنها تجمّعت، في الأشهر الأخيرة، بقدر لا يمكن معه التجاهل أو التأجيل”.«إن الخطاب الرسمي، في مستويات مسؤولة، يخطئ أو يتعمّد الخطأ في قراءتها، ويهوّن من تأثيرها (النذر)، وينكر دلالتها السياسية الكبرى بدعوى أنّ المطالب المرفوعة من طرف المتظاهرين لا تتضمّن أيّ مطلب سياسي...، وغرابة هذه القراءة والتحليل تتجلّى عندما نتصوّر طبيبا ينتظر من مرضاه أن يكتبوا له وصفة العلاج!”.انتهت رسالة عبد الحميد مهريلن أزيد على رسالة الحكيم، لكني أتصور أن السلطة فعلا طبيب يملك أدوات العلاج، وتنتظر من الشعب إسعافها مزيدا من الوقت، لتكتب وصفة العلاج من المرض، فالسلطة منذ عقود، مبدعة في إنتاج الأمراض برغم الحكمة التي في صف طويل من حكماء البلد، مبتكرة في صناعة الظلمة والمستقبل الغامض، برغم كومة النور التي في كل جزائري.
مقال مؤرشف
هذا المقال مؤرشف, يتوجب عليك الإشتراك بخطة الممتاز+ لتتمكن من الإطلاع على المقالات المؤرشفة.
تسجيل الدخول باقة الاشتراكات