ورد هذا السّؤال في صفحة “اللآلئ الزكية” على فيسبوك، حول حكم شحن الهاتف في المسجد؟... فرأيت تعميم هذه الإجابة أوّلًا للفائدة، وثانيًا توسعة للموضوع، في حكم استغلال كلّ مستلزمات المسجد من فراش وكهرباء وغيرها... ومن ذلك استغلال الكهرباء لشحن الهواتف؟إنّ المساجد من أوقاف المسلمين، وهي وقف عليهم. والأصل في المساجد أنّها جُعِلت لصالح المسلمين، يستغلّون مرافقها في كلّ ما يُعين على التّعبُّد. ولا خلاف بين الفقهاء أنّه يجوز لهم استغلال مائها: شُربًا ووضوءًا، كما يجوز لهم الانتفاع بأفرشته ومكيفاته داخل المسجد، لا خارجه. كما أنّه يجوز له أن يستغل إنارة المسجد للقراءة والكتابة فيه، ما دام فيه. وعليه، أرى والله أعلم أنّه لا حرج في الاستفادة من كهرباء المسجد، وذلك بناء على:قوله صلّى الله عليه وسلّم: “إذا دخل أحدكم بستانًا فلينادي ثلاثًا يا راعي البستان فإن أجابه وإلّا فليأكل، وإذا مرّ على ماشية فلينادي يا راعي الإبل ثلاثًا فإن أجابه وإلّا شرب”. فهذا حديث صريح في جواز الانتفاع عند الضّرورة دون إذن المالك.وأنّ حجم الكهرباء المستغلة لا يمثّل شيئًا من تلك المبردات والإنارات الّتي هي لمصلحة المصلّي، فالشحن اليسير من باب أولى. وأنّ شريعتنا من مقاصدها الكبرى المسامحة، ولاشك أنّ الشحن من الأمور اليسيرة المغتفرة بإذن الله. ويشهد لذلك، اللّقطة اليسيرة، من مال أو متاع.كما أنّ المعتكف وهو يقيم في المسجد فإنّه يحتاج إلى كهرباء وغاز وفراش وماء، وهذه كلّها سكت عنها الشّارع تسامحًا.والأمر الآخر هو وجود الإذن العام للاستغلال - دلالة السّكوت - بدليل أنّ بعض المساجد تركّب علب شحن جماعي كما هو الحال في الحرمين. وهذه قرينة قويّة على موافقة الجهات المعنية بهذه القرينة الحالية. على أن يكون هذا الشحن لأمر ضروري، ليس من أجل التّرفيه بالأفلام أو الاتصالات غير الضّرورية.أمّا إذا كان من أجل تحميل: أن يقرأ فيه القرآن، أو كتابًا أو يسمع به محاضرة، فلا حرج في ذلك. وأخيرًا أقول إنّ في مثل هذه المسائل فيها الإذن العام، وأنّ التّصرّف فيها، يكون وفق المصلحة الشّرعية، ويخضع للقاعدة النّبويّة “كُلِي وابْنَك بالمعروف”.وممّا يجب التّنبيه عليه، أنّه يُحرَم استغلال لوازم المسجد خارجه، إلّا لضرورة بعد استئذان القائم على المسجد الّذي يقوم مقام الحاكم في التّصرّف على الرعيّة المنوط بالمصلحة. مثل أفرشة المسجد أو مكثّف الصّوت أو كراسيه وما شابه ذلك. لا صندوق ميت أو حمالة تغسيل بشرط إرجاعها إلى المسجد.أمّا الاستفادة من كهرباء المسجد خارجه بأخذ خيط سواء لعزاء أو فرح أو استغلال مكبّرات الصّوت أو جهاز التّكثيف فكلّها وقف لا يجوز التّصرّف فيها إلّا لمصلحة عامة راجحة وضرورية.أمّا حكم أكل ثمار أشجار المسجد، فإنّه من الملاحظ أنّ كثير من المساجد فيها أشجار مثمرة، وتتفاوت كثرة وقلّة من مسجد لآخر. ورأينا كثير من المصلّين يأكلون منها من غير حرج، بل منهم مَن يأتي بكيس ويأخذ منها، وهل لقيم المسجد حرية التّصرّف فيها؟وعليه، لا يجوز أن يأكل منها إذا كانت غلّتها تُصرَف لمصالح المسجد في تقدير من وقفها، وإنّما تُباع ويصلح بها المسجد أو تُصرَف فيما يحتاجه، وهذا بناء على نيّة مَن أوقفها. أمّا إذا كان الّذي زرعها وغرسها ينوي بها الإحسان إلى المُصلّين والتّوسعة عليهم، فهذا يرجع إلى شرط الواقف.والخلاصة أنّ سلوك مسلك الورع للمسلم هو السّبيل للنّجاة في الدّنيا والآخرة، وقد قال الصّادق المصدوق: “دع ما يُرِيبُكَ إلى ما لَا يُرِيبُك”. وبالله التّوفيق.* أستاذ الشريعة والقانون - جامعة وهران
مقال مؤرشف
هذا المقال مؤرشف, يتوجب عليك الإشتراك بخطة الممتاز+ لتتمكن من الإطلاع على المقالات المؤرشفة.
تسجيل الدخول باقة الاشتراكات