قال تعالى: {مَن قَتَلَ نَفْسًا بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِي الْأَرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعًا وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعًا} المائدة. لقد جاء هذا السؤال من عدّة إخوة، ورأيته مرسومًا في بعض فتاوى الأفاضل من أهل العلم ببلدنا، وجنح بعضهم إلى عدم جواز صرف أموال الزّكاة لشراء هذه المعدات، بناء على أنّها حقّ خالص للفقير، وأنّ الأصناف محصورة ومعلومة، وأنّ دخول الأغنياء معهم في هذه الصّدقة يخرجها عن معنى الزّكاة... وغيرها من الاعتراضات.فعقّبتُ عليهم في تلك المواطن، ورأيتُ أن أختطّ جوابًا محرّرًا على ما أراه في هذه المسألة، فأقول وبالله التّوفيق:الأصل في أعمال البرّ الجواز، لقوله تعالى: {وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ}.الحفاظ على الأنفس مقصد من مقاصد الشّريعة، وكلّ ما يفوت هذا المقصد فقد كر على الشّريعة بالإبطال.أمّا قولكم إنّ مصاريف الزّكاة معلومة فهذه حقيقة، وحقّ الفقراء فيها معلوم هذه حقيقة... ولكن من الحقائق الأخرى أنّ سهم المؤلّفة قلوبهم ليسوا بالضّرورة فقراء، ولكن قدّمنا لهم المال لإحياء قلوبهم وإيمانهم، فما بالك بإحياء نفوسهم.ومن مصاريف الزّكاة سهم {في سبيل الله}، وهذا السّهم قد وسّع العلماء في دلالته، ممّا يجعله يستغرق كلّ مصلحة عامة حاقة بالمسلمين.ولعلّ جائحة كورونا وما تحصده من أرواح وجب جهادها بكلّ ما نملك، ومن ذلك مقاتلتها بالأدوية والأكسجين والمعدات. حيث جاء في قرار المجمع في دورته الثامنة ما يلي: “القول الثاني: إنّ سبيل الله شامل عامّ لكلّ طرق الخير والمرافق العامة، إلى قوله: وهذا الدكتور بلخير طاهري الإدريسي*قول قلّة من المتقدمين، وقد ارتضاه واختاره كثير من المتأخّرين” (ينظر قرارات المجمع الفقهي العدد 3 ص 211 قرار 4). وكذلك النّدوة الأولى لقضايا الزّكاة المعاصرة.أمّا دعوى استفادة الأغنياء منها فهذا من النّوادر المغتفرة، الّتي لا تخرم القاعدة العامة، كما قال الإمام الشاطبي: “واعلم أنّ القواعد الكلية لا تقدح فيها قضايا الأعيان ولا نوادر التخلّف”.هذه المعدات لن يأخذها الأغنياء ولا الفقراء معهم، فإنّها سوف تصبح وقفًا على عامة المسلمين يستفيدون منها ما دامت قائمة.وبهذا فإنّنا نقول: بجواز إعطاء الزّكاة لسدّ هذه الحاجة الضّرورية، والمال ما هو إلّا وسيلة لتحقيق مقصد التعبّد.والقاعدة المقرّرة مقاصديا أن الوسائل لها حكم المقاصد. وأنّه يغتفر في الوسائل ما لا يغتفر في المقاصد. وإنّ الوسيلة إذا عادة على الأصل بالإبطال ألغيت الوسيلة.وعليه، فإنّ المحافظة على النّفس الإنسانية مقدّمة على حقّ الفقير الّذي يدور في درجة الحاجة الّتي لم ترقى إلى الضّرورة، وهذا عند التزام وقصور الوفاء على المحافظة على النّفس. هذا وبالله التّوفيق.نحن قلنا بالجواز، والأولى أن تكون من التّبرّعات ومطلق الصّدقات، فإن عجزت عن سدّ باب الضّرورات، انتقلنا إلى أموال الزّكوات، ووسعنا مدلول في سبيل الله.*أستاذ الشريعة والقانون - جامعة وهران
مقال مؤرشف
هذا المقال مؤرشف, يتوجب عليك الإشتراك بخطة الممتاز+ لتتمكن من الإطلاع على المقالات المؤرشفة.
تسجيل الدخول باقة الاشتراكات