آثار الاحتكار والمضاربة في الأسعار وخطرها على المجتمع

+ -

أكد علماء الإسلام أن استغلال حاجات الناس وبيع السلع التي لهم بها حاجة بأكثر من قيمتها المعروفة وزيادة أسعارها لا يجوز شرعا ومنهي عنه من النبي صلّى الله عليه وسلّم، وأشاروا إلى أن الفقهاء اتّفقوا على منع الاحتكار في قوت النّاس كما قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: “لا يحتكر إلّا خاطئ”، وأنّ الإسلام حرّم الاحتكار لما فيه من تضييق على عباد الله في قول النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم: “من احتكر طعامًا أربعين ليلة فقد برئ من الله تعالى وبرئ الله تعالى منه”.فالاحتكار هو حبس ما يحتاج إليه النّاس، سواء أكان طعاما أم غيره ممّا يكون في احتباسه إضرار بالنّاس وتضييق الحياة عليهم، وهذا بإطلاقه شامل لكلّ شيء من المواد الغذائية، والثياب، ومنافع الدواء، والأرضين، والأدوية، وآلات ومواد الإنتاج الزراعي والصناعي، كالمحاريث والأسمدة... وهو محرّم فعله، عن معقل بن يسار قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: “من دخل في شيء من أسعار المسلمين ليغليه عليهم كان حقًّا على الله أن يقعده بعظم من النّار يوم القيامة”.والاحتكار جريمة اقتصادية اجتماعية، وثمرة من ثمرات الانحراف عن منهج الله، وقد تنوّعت صوره، وتعدّدت أساليبه.أجمع العلماء على أنّه لو احتكر إنسان شيئًا واضطرّ النّاس إليه ولم يجدوا غيره أجبر على بيعه، دفعًا لضرر النّاس، وتعاونًا حصول العيش، وفي هذا المعنى يقول الإمام مالك: “الحكرة في كلّ شيء في السوق من الطعام والزيت والكتان وجميع الأشياء والصوف، وكلّ ما أضرّ بالسوق..”. وقال ابن القيم: “ولهذا كان لولي الأمر أن يُكره المحتكرين على بيع ما عندهم بقيمة المثل عند الضرورة إليه، مثل من عنده طعام لا يحتاج إليه والناس في مخمصة، أو سلاح لا يحتاج إليه والناس محتاجون إليه للجهاد أو غيره..”.إنّ أسواقنا تعاني أزمة أخلاق وضمير، فإذا كانت أسواقنا تعاني هذه الأزمة في الظروف العادية، ففي وقت المحن والشّدائد تكون هذه الأزمة أكثر وضوحًا، وأخلاقيات عناصر السوق من منتجين وتجار تظهر على حقيقتها.وإنّ من السقوط الأخلاقي الكبير للتجار استغلال الوباء المنتشر عالميًا وتقلّب الأسواق لرفع أسعار ما يحتاجه الناس من سلع وخدمات، إنّ بعض معدومي الضمير من التجار يستغلون هذه الظروف العصيبة لتحقيق مكاسب مادية عن طريق احتكار السلع ورفع أسعارها حرام شرعًا وخيانة للأمانة وينبغي أن يجرَّم قانونًا.ونشدّد على أنّ إخفاء المستلزمات الصحية والأدوية الّتي أكّد الأطباء صلاحيتها لمقاومة الفيروس القاتل، تعدّ أخطر من إخفاء الطعام والشراب، وكلّ ربح يأتي من احتكار ما يتكالب عليه الناس لحماية أنفسهم هو ربح محرم شرعا.لذا نطالب الأجهزة المعنية بضبط الأسواق ومعاقبة هؤلاء لأنهم يمارسون الاحتكار في أبشع صوره، ويتسابقون في رفع الأسعار، وتعسير الحياة على الفقراء ومحدودي الدخل.إجبار المحتكرين على إخراج المادة المحتكرة المخزونة، وطرحها في السوق، ليبيعوها بالسعر التلقائي الحرّ الّذي كان ساريًا قبل الاحتكار، مع زيادة يتغابن الناس في مثلها عادة؛ إزالةً للظلم عن الناس، وتحقيقًا للربح المعقول للتاجر، توفيقًا وتنسيقًا بين المصلحتين.. هو من واجبات الدولة المسلمة.لذا على الدولة أن تتدخّل لحماية الأفراد من عبث العابثين، ومصاصي دماء الشعوب، وذلك باتخاذ الإجراءات المناسبة الكفيلة بقطع دابر الاحتكار، وإعادة الثقة والطمأنينة إلى نفوس المواطنين.ونطالب جمعيات وأجهزة حماية المستهلك والجهات الرقابية باتخاذ الإجراءات اللازمة للتصدي لأصحاب المصانع وتجار الجملة بسبب المغالاة الشديدة في أسعار المستلزمات الطبية واستغلال أزمة انتشار الفيروس.وندعو رجال الأعمال والمنتجين في مختلف المجالات وخاصة تلك المعنية بتدبير احتياجات الناس من طعام وشراب وأدوات وقاية وحماية، حيث يجب أن يكثفوا جهودهم لدعم جهود الدولة للتصدي لآثار وباء كورونا، وتخصيص جزء من أموالهم لدعم أسعارها تعبيرًا عن شكرهم لنعم الله عليهم، وليجتهد العلماء في سائر التخصصات لتوعية الناس ونصحهم.ما يمر به العالم اليوم يفرض على الإنسان العاصي والمذنب أن يتوب إلى الله، ويكفّ عن معاصيه، ويطلب من الله العفو والمغفرة، لا أن يضاعف الإنسان من ذنوبه وسيئاته بأكل أموال الناس بالباطل، وعلى كلّ منتج، أو مستورد، أو تاجر، أن يعلم أنّ الله مطلع عليه، ولن يبارك في ماله أو صناعته أو زراعته أو تجارته الّتي يستغلّ حاجة الإنسان إليها ويغالي في سعرها، وليعلم الجميع أنّ الوقت هو وقت مراجعة للنّفس، ووقت توبة إلى الله، والإنسان العاقل في مثل هذه الظروف مطالب بمراجعة سلوكه، وتحري الحلال في رزقه، بل هو مطالب بمزيد من البذل والعطاء حتّى يتقرّب إلى خالقه، والخير في هذه الأمّة باق إلى يوم القيامة.

كلية الدراسات الإسلامية بقطر

مقال مؤرشف


هذا المقال مؤرشف, يتوجب عليك الإشتراك بخطة الممتاز+ لتتمكن من الإطلاع على المقالات المؤرشفة.

تسجيل الدخول باقة الاشتراكات