38serv

+ -

 لقد اهتزّت الجزائر بشكل خاص والعالم الإسلامي بشكل عام، حول الحادثة البشعة والمجزرة الإرهابية الّتي أودت بحياة الإمام الشاب بلال محمودي رحمه الله تعالى.. كلّ نفس ذائقة الموت.. والموت حقّ.. ولكلّ أجل كتاب.ليس الغرابة في قتله، وإنّما في مكان القتل وزمن القتل شهرًا ويومًا... إنّها الأشهر الحُرُم، إنّه يوم الخميس الّذي تُرفَع فيه الأعمال، إنّه وقت العصر الّذي من فاتته فكأنّما وتر ماله وأهله... إنّه المكان المقدّس المِحراب الّذي هو منبع المُناجاة وحصن الإمام الّذي لا يشاركه فيه أحد، ولا يتقدّم فيه أحد إلّا بإذنه.إنّ حُرمة الدّماء أيًّا كانت هي مصونة ومحصّنة، وإنّ النّفس الإنسانية تُعدّ المقصد الأساس من الكليات المقاصدية الخمسة. (حفظ النّفس). يقول النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم: “لَزَوال الدّنيا أهون عند الله من قتل امرئ مسلم”. وأنّ حُرمة النّفس أشدّ حُرمة من انتهاك حرمة الكعبة المشرّفة.وإذا تعلّق الأمر بإمام يؤمّ النّاس في الصّلوات، وبيّن لهم أحكام دينهم، ثمّ ينحر كالشّاة في وضح النّهار، وأثناء الصّلاة وأمام المصلّين، أمر مريب وخطير، ويثير عدّة استفهامات...! خاصة عندما يتنامى إلى أسماعنا أنّ الّذي قام بهذا الفعل الإرهابي شخص متديّن ذو أفكار متشدّدة وله سوابق خلافية مع الإمام.ولهذا لابدّ للجهة المعنية بهذه الضحية (وزارة الشّؤون الدّينية والأوقاف) أن تتأسّس طرفا مدنيا وتدافع عن حقوق هذا المجني عليه بكلّ قوّة وصرامة، وتعطي للموضوع قيمته وأهميته، وتظهر غضبها وتضمرها على أبناء قطاعها، الّذين أصبحوا عرضة للشّتم، والتّنكيت، والابتزاز، والسّخرية، لكلّ مَن هبّ ودبّ.إنّ التعدّي على الإمام بشكل خاص أو أيّ موظف عمومي بشكل عام، يجب أن يقابل بقوانين رادعة لكلّ مَن تُسوِّل له نفسه التعدّي على الموظف أثناء أداء وظيفته.لقد ذهب الإمام ضحية إهمال واستهتار بشخص كان يتربّصه منذ مدّة، والنتيجة هي ما سمعنا. وأنا لا أرى فيما يطرحه بعض الأئمة تحت مسمّى ‘فقه النّوازل’، في محاولة عزل الإمام عن العامة، وقد حدث في التاريخ الإسلامي ما هو أشدّ وأنكى ممّا وقع مع هذا الإمام، وكان أوّل ضحايا الاعتداء الوحشي في محراب الصّلاة الخليفة الثاني سيّدنا عمر بن الخطاب رضي الله عنه، ثمّ توالَت سلسلة الاغتيالات لعدّة رموز من ملوك وأئمة في محارب صلاتهم.وعليه لا أرى أيّ مصوغ لإطلاق هذه الدّعوات لعزل أو اعتزال الإمام لعامة النّاس، بقدر ما نحن محتاجون إلى لمسة وعي، وإصلاح فكر، وإشاعة ثقافة التّعايش، وعذر الآخر بالتماس الأعذار.رحم الله شهيد المحراب، وجعلها الله آخر البلاء. إنّا لله وإنّا إليه راجعون.*أستاذ الشريعة والقانون - جامعة وهران

مقال مؤرشف


هذا المقال مؤرشف, يتوجب عليك الإشتراك بخطة الممتاز+ لتتمكن من الإطلاع على المقالات المؤرشفة.

تسجيل الدخول باقة الاشتراكات