القَصص النّبويّ...سيّدنا عيسى في القرآن

+ -

 المشهد الأوّل من القصة يصوّر فتاة عذراء، قدّيسة، وهبتها أمّها، وهي في بطنها لخدمة المعبد، لا يَعرف عنها أحد إلاّ الطُّهر والعفّة، ولا يُعرف عن أسرتها إلاّ الطيبة والصّلاح. ها هي ذي تخلو إلى نفسها لشأن من شؤونها، الّتي تقتضي التّواري من أهلها، والاحتجاب عن أنظارهم.وها هي ذي في خلوتها، مطمئنة إلى انفرادها، ولكنّها تفاجأ برجل مكتمل سوي يقطع صفو خلوتها {فَأَرْسَلْنَا إلَيْهَا رُوحَنَا فَتَمَثَّلَ لَهَا بَشَرًا سَوِيًّا} مريم:17، وها هي ذي تنتفض انتفاضة العذراء المذعورة، يفجؤها رجل في خلوتها، فتلجأ إلى اللّه تستعيذ به، وتستنجد، وتستثير مشاعر التّقوى في نفس الرّجل، والخوف من اللّه، والتحرّج من رقابته في هذا المكان الخالي {قَالَتْ إِنِّي أَعُوذُ بِالرَّحْمَنِ مِنْكَ إنْ كُنْتَ تَقِيًّا} مريم:18، وها هو ذا الرّجل التّقيُّ ينتفض وجدانه عند ذِكر الرّحمن، فيخاطبها بقوله: {إِنَّمَا أنَا رَسُولُ رَبَّكِ لِأَهَبِ لَكِ غُلاَمًا زَكِيًّا} مريم:19.وليتمثّل الخيال مقدار الفزع والخجل، وهذا الرّجل السّوي، الّذي لم تثق بعدُ بأنّه رسول ربّها، فقد تكون حيلة هاتك، يستغل طيبتها، يصارحها بما يخدش سمع الفتاة الخجول، وهو أنّه يريد أن يهب لها غلامًا، وهما في خلوة. بيد أنها تدركها شجاعة الأنثى المهدّدة في عرضها، فتسأل في صراحة وثبات: كيف يكون هذا؟ فما تعرف هي بعدُ كيف يهب لها غلامًا؟ لكن ما خفّف من روع الموقف ما قاله لها: {إنَّمَا أَنَا رَسُولُ رَبّك}، لكن كيف يكون هذا؟ وهي عذراء، لم يمسسها بشر، وما هي بغيٌّ، فتقبل الفعلة الّتي تجيء منها بغلام.بيد أنّ هذا الأمر الخارق، الّذي لا تتصوّر ”مريم” العذراء عليها السّلام وقوعه، هيِّن على اللّه، فأمام القدرة الّتي تقول للشّيء {كُنْ فَيَكُونُ} البقرة:117، كلّ شيء هيِّن، سواء جرت به السُّنَّة المعهودة، أو جرت بغيره. وجبريل قد أخبرها بأنّ هذا هيِّن عليه سبحانه، وأنّه أراد أن يجعل هذا الحادث العجيب آية للنّاس، وعلامة على وجوده وقدرته وإرادته، ورحمة لبني إسرائيل أوّلاً، وللبشرية جميعًا، بإبراز هذا الحدث الّذي يقودهم إلى معرفة اللّه وعبادته وابتغاء رضاه.

مقال مؤرشف


هذا المقال مؤرشف, يتوجب عليك الإشتراك بخطة الممتاز+ لتتمكن من الإطلاع على المقالات المؤرشفة.

تسجيل الدخول باقة الاشتراكات
كلمات دلالية: