لا يجوز لنا أن نتغاضى أو نسكت عن الاحتجاجات التي يقوم بها شباب المناطق الصحراوية للمطالبة بتحسين الوضع الاقتصادي لتلك الجهات من بلادنا الغالية، إذ يعاني غالبية أفراد المجتمع هناك، وبخاصة الشباب منهم، بطالة طال أمدها دون تقديم الحلول الناجعة أو المعاونة والمساعدة لهم.إن الجزائر لا تعاني فقط آثار فيروس كورونا فقط، إذ زادت الأوضاع الاقتصادية الطين بلّة، والوضع الاقتصادي في الجزائر يزداد سوءا يوما بعد يوم ويؤدّي إلى إفقار شرائح كاملة من السكان وارتفاع معدلات البطالة؛ وباختصار جميع المؤشرات الاقتصادية حمراء.. كما يؤكّده الخبراء. لذا نرى من الواجب وقبل تفاقم الأوضاع المسارعة في إيجاد الحلول السّريعة الّتي تهدئ نفوس شبابنا وتعطيهم الأمل في غد أفضل بإذن الله تعالى. وعلى المسؤولين وأصحاب القرار المسارعة في معالجة هذه القضية، والجلوس مع هؤلاء الشباب، والتحدث والحوار معهم وإقناعهم بتقديم الحلول الملموسة لجميع انشغالاتهم.إنّ البطالة لها من الآثار الاقتصادية والاجتماعية والسياسية الّتي لا يمكن إهمالها، فالبطالة تشكّل السبب الرئيسي لمعظم الأمراض والمشكلات الاجتماعية في أيّ مجتمع (التطرف، الإرهاب، المخدرات، الجريمة بأنواعها... الخ)، كما أنّها تمثّل تهديدا واضحا على الاستقرار السياسي والتّرابط الاجتماعي... وللبطالة آثار سيئة منها اتساع دائرة الفقر والمعاناة بما يؤدّي إلى الإحباط والاكتئاب لدى العاطلين، فيدفعهم ذلك للجوء إلى مفاسد كثيرة.ويرجع خبراءُ الاقتصاد تفاقمَ البطالة في البلاد العربية إلى إخفاق خطط التنمية الاقتصادية في الدول العربية على مدار العقود الثلاثة الماضية، وخاصة بعد الفورة النفطية مطلع السبعينيات، وغياب التخطيط الاقتصادي المنهجي، وعدم تطابق برامج التعليم في معظم الدول العربية مع الحاجات الفعلية لسوق العمل، علاوة على أنّ التكوين المنهجي في معظم الدول العربية لم يواكب التطورات التكنولوجية السريعة الجارية في العالم، إضافة إلى كمية الفساد الّتي استشرت بين المسؤولين الّذين تعاقبوا على الحكم وتسيير شؤون البلاد في تلك الفترة.ولقد واجه ديننا الإسلامي مشكلة البطالة بعدّة وسائل، أهمّها:الدّعوة إلى العمل وبيان فضله؛ والإسلام حثّ على العمل ودعا إليه، وقاوم الكسل ولم يرتضيه مسلكًا للمسلم، وصحّح مفهوم التوكّل على الله وأنّه لا يتعارض مع قانون الأخذ بالأسباب، قال تعالى: {هُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ ذَلُولًا فَامْشُوا فِي مَنَاكِبِهَا وَكُلُوا مِنْ رِزْقِهِ وَإِلَيْهِ النُّشُورُ}. كما قدّر الإسلام أهمية العمل، وعدّه عبادة، وحثّ المسلمين عليه، والحقّ أنّ العمل يمثّل جانبًا مهمًّا في حياة الإنسان.وجعل مهمّة مكافحة البطالة موكّلة إلى الدولة الإسلامية، باعتبارها المسؤولة عن الرعية، فعليها إرشاد النّاس إلى ما يصلح معاشهم، وإن عجزوا فعليها توفير فرص العمل بأشكال مختلفة، فينبغي على الدولة المسلمة استثمار الثروة البشرية وإيجاد فرص للقادرين، وتأهيل العاطلين، وإعدادهم لسوق العمل.كما وجّه النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم الأنصاري الّذي جاء يسأله وهو يقوى على العمل والإنتاج. عن أنس أنّ رجلاً من الأنصار أتى النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم فسأله فقال: “أما في بيتك شيء؟ قال: بلى،..... فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: هذا خيرٌ لك من أن تجيء المسألة نكتة في وجهك يوم القيامة، إنّ المسالة لا تصلح إلّا لثلاث: لذي فقر مدقع أو لذي غرم مفظع أو لذي دم موجع..”وبالنسبة للعاطلين عن العمل إجباريًا، أي أنّهم يبحثون عن عمل ولا يجدونه فإنّه يصرف لهم من الزّكاة (أو من خزينة الدولة) ما يعينهم على العمل في صورة رأسمال مناسب للبدء في مشروع صغير.وبهذا يمكن للزّكاة أن تعالج مشكلة البطالة في إطار ما يعرف الآن بتمويل المشروعات الصغيرة الّتي بدأ الاتجاه إليها في جميع الاقتصادات.القروض: وقد أعطى عمر بن الخطاب من بيت المال للفلاحين في العراق أموالاً لاستغلال أرضهم. والحكم الشّرعي أن يُعطى الفلاحون من بيت المال ما يتمكنون به من استغلال أراضيهم إلى أن تخرج الغلال، وعن الإمام أبي يوسف: “ويعطى للعاجز كفايته من بيت المال قرضًا ليعمل فيها” أي الأرض. وكما يقرض بيت المال الفلاحين للزراعة، يقرض من هم مثلهم ممّن يقومون بالأعمال الفردية، الّتي يحتاجون إليها لكفاية أنفسهم في العيش”.عطاءات الدولة: وذلك بإعطاء من قصرت بهم قدراتهم عن بلوغ ما يحتاجون، من الأموال العامة المنقولة، وفي ذلك يقول النبهاني: “وتعطي الدولة الرعية من ملكيتها إمّا لسدّ حاجاتهم، أو للانتفاع بملكيتهم، كما فعل رسول الله حين قدم المدينة فقد أقطع أبا بكر وعمر، كما أقطع الزبير أرضًا واسعة، فقد أقطعه ركض فرسه في موات البقيع، وأقطعه أرضًا فيها شجر ونخل، وكما أقطع الخلفاء الرّاشدون من بعده أرضًا للمسلمين”[email protected]
مقال مؤرشف
هذا المقال مؤرشف, يتوجب عليك الإشتراك بخطة الممتاز+ لتتمكن من الإطلاع على المقالات المؤرشفة.
تسجيل الدخول باقة الاشتراكات