تصنف الجزائر، بتعداد سكان يقدر بـ 38 مليون نسمة وحظيرة للمركبات تتراوح ما بين 6 و7 ملايين سيارة، كرابع مستهلك للطاقة في إفريقيا، بمعدل يفوق 1,15 طن مقابل النفط للفرد الواحد سنويا. وتأتي الجزائر بعد جنوب إفريقيا ”2,8 طن مقابل النفط” وليبيا ”2,18 طن مقابل النفط” والغابون ”1,25 طن مقابل النفط”. ومن الواضح أن مستوى ووتيرة استهلاك الطاقة للجزائر يبدوان مبالغا فيهما مقارنة بهذه البلدان، حينما ندرك أن جنوب إفريقيا مثلا هي أول اقتصاد خارج المحروقات للقارة السمراء بناتج محلي خام يقدر بـ 11600 دولار للفرد، رغم أن تعداد سكانها يقدر بـ 48 مليون نسمة، بينما يصل ناتج ليبيا والغابون اللتين تعتبران دولتين نفطيتين 12300 و16700 دولار على التوالي ”معطيات سنة 2013”.بالمقابل، فإن الناتج المحلي الخام الجزائري يتراوح ما بين 5000 إلى 6000 دولار للفرد، وهو بالتالي من بين الأدنى في منظمة ”أوبك”، ولا يتوقف الاستهلاك المحلي للمحروقات في الزيادة من سنة إلى أخرى، بقفزة بلغت 230 ألف برميل يوميا من البترول في 2004، إلى 350 ألف برميل يوميا في 2012، أي بنسبة نمو بلغت 4 في المائة سنويا، بينما قدر استهلاك الغاز بنسبة ما بين 5 إلى 5,5 في المائة سنويا، بمقدار 22 مليار متر مكعب في 2004 وهو حاليا يقدر بـ 34 مليار متر مكعب حاليا.وتشجع الأسعار، المصنفة من بين الأقل كلفة عالميا، في زيادة استهلاك الطاقة في الجزائر، حيث يتم تحديد الأسعار عن طريق مراسيم تنفيذية بمعدل يتراوح ما بين 21 إلى 23 دينارا للتر البنزين و780 دينار لكل 1000 متر مكعب من الغاز للمستهلك العادي و1560 دينار للصناعيين، وهو ما يعادل حوالي 50 دولارا للبرميل من البنزين وبمعدل 0,4 دولار لكل مليون وحدة حرارية ”مليون وحدة حرارية تمثل 28 مترا مكعبا من الغاز”. ومن هنا نلاحظ أن الجزائري يستهلك مواد منقاة ومكررة مرتين أقل تكلفة من النفط الخام و10 مرات أقل للغاز مقارنة مع الغاز الصخري الأمريكي، ولا تربط الجزائر بعد بين سعر الوقود وسعر برميل النفط، ولكن يسود الاعتقاد، بالنظر إلى ”تبذير” الطاقة الذي يعرفه البلد، أن الدولة الجزائرية لن تتأخر في تغيير الأسعار.تراجع حجم المحروقات المصدرةوكنتيجة لانكماش الإنتاج وبروز زيادة استهلاك السوق المحلي، فإن صادرات النفط تراجعت بحوالي مليون برميل يوميا في 2005 إلى 700 ألف برميل يوميا في 2012، بينما تدنت صادرات الغاز الجزائري من 64 مليارا إلى 54 مليار متر مكعب، أي بانخفاض للكميات المصدرة بنسبة 30 في المائة بالنسبة للبترول و16 في المائة بالنسبة للغاز، ولأول مرة في تاريخ الكميات المسوقة من قبل الجزائر، فإن حجم وحصة السوق الداخلي بلغ أو تجاوز نصف الكميات المصدرة، وفي غياب الاحتياطيات وقدرات إنتاج معتبرة، فإن الكميات الموجهة إلى السوق المحلي يمكن أن تعوض تلك الموجهة إلى السوق الخارجي، وهو ما يمكن أن يترتب عنه انكسارات اجتماعية واقتصادية.عائدات تصدير خياليةوعلى الرغم من التراجع الواضح لحجم وكميات المحروقات المصدرة، فإن الجزائر لم تستفد من مستوى عائدات بالحجم الذي حققته خلال العشرية السابقة بمجموع يقارب 600 مليار دولار، بالنظر إلى مستويات سعر البرميل الذي ارتفع من 54 دولارا في 2004 إلى 112 دولار في 2012 ”معدل يقدر بـ 83 دولارا للعشرية”، وبلغت مساهمة الغاز الطبيعي في الإيرادات الإجمالية نسبة 35 في المائة، فيما قدرت عائدات البترول بـ 400 إلى 410 مليار دولار، وهذه قيمة ليست بالهينة، ولكنها استخدمت بالأساس لتغطية الواردات التي بلغت حوالي 360 مليار دولار خلال العشرية، ما ساهم في تآكل الميزان التجاري. بالمقابل، نسجل أن انخفاض الإنتاج الإجمالي العائد لسوناطراك على حساب شركائها ”والذي تضاعف في ظرف 10 سنوات”، يجعل من الشركة الوطنية مجموعة مالية تصحح وضعها بفضل الجباية، على غرار ما يتم من خلال الرسم على الأرباح الاستثنائية والتي تسمح باقتطاع نسبة ”تتراوح ما بين 5 إلى 50 في المائة” من إنتاج الشريك، حينما يتجاوز سعر البرميل 30 دولارا. ويجدر التذكير أن حوالي 10 في المائة من الإيرادات الخاصة بالصادرات تعود لشركاء سوناطراك، وبالتالي، فإن حصة الإنتاج بالشراكة تتضاعف من سنة إلى أخرى وستتجاوز نسبة 50 في المائة قريبا.السنوات القادمة أو سنوات ”القحط”يتضح أن الوضع الحالي حرج جدا، ولكن ماذا سيكون عليه الأمر خلال السنوات القادمة يا ترى؟، إذ يتطلب الأمر إنتاج المزيد من النفط والغاز لتغطية دائمة للطلب على كافة المستويات ”السوق المحلي، الصادرات، والغاز وإعادة ضخ الغاز في الحقول”. وفي استقراء بسيط للتوجهات العامة، يتبين في غضون 2030-2050، فإنه يتعين تخصيص على الأقل 720 ألف برميل يوميا من النفط و60 مليار متر مكعب من الغاز، لتغطية الطلب المحلي لـ 45 مليون جزائري ولـ 20 مليون سيارة أو مركبة مستخدمة، وفي نفس الوقت، يتعين أن نقوم بتصدير أكثر من 1,5 مليون برميل يوميا من البترول، وما لا يقل عن 90 مليار متر مكعب من الغاز سنويا، لضمان ميزان تجاري سليم، وهذا ما لا يمكن تحقيقه إلا بفضل إنتاج إجمالي يقدر بحوالي 320 مليون طن مقابل النفط سنويا ”2,2 مليون برميل يوميا من النفط و220 مليار متر مكعب من الغاز في السنة”، وهذا الإنتاج يظل رهين زيادة محسوسة في المخزون والاحتياطيات، وإلا فإنه سيتم استنفاد ما هو موجود من مخزون خلال 15 سنة ”في غضون 2030”. فهل يمكن أن يتم رفع التحدي في ظرف زمني قصير، خاصة أن الدولة تخوض حاليا معركة على جبهتين هما انخفاض الاحتياطيات وتراجع الإنتاج من جهة، وانهيار أسعار البرميل من جهة أخرى.وإذا كان بالإمكان تطبيق، بالنسبة للسوق المحلي، المادتين 50 و51 من القانون، للدعوة، إذا اقتضت الحاجة إلى ذلك، إلى الحد من الإنتاج وإعطاء الأولوية لتمويل السوق الداخلي، فإن اللجوء إلى هذه المواد يعني ضمنيا شكلا من أشكال الاستيراد، لأن المحروقات المسوقة من قبل المتعاقد سيتم تسديد ثمنها من قبل الدولة الجزائرية، ولتظل مسألة استيفاء الكميات الواجب تصديرها العمود الفقري لاقتصادنا إشكالا حقيقيا يتعين إيجاد حل له.الحلقة الثانية
مقال مؤرشف
هذا المقال مؤرشف, يتوجب عليك الإشتراك بخطة الممتاز+ لتتمكن من الإطلاع على المقالات المؤرشفة.
تسجيل الدخول باقة الاشتراكات