+ -

 كانت أول زهرة في ربيع العرب، وأول ورقة في خريف الرؤساء، من تونس الخضراء بدأ زحف الحرية على شعوب قهرتها أنظمة دكتاتورية، وسطا عليها حكام ظلم كانوا يوزعون الظلم بالعدل بين الناس بالبوليس والمخابراتفي تونس، نجح أطياف المشهد السياسي في صياغة دستور توافقي، تجاوزوا فيه كل اعتبارات الإيديولوجيا وجدران التشدد، ووضعوا اللبنة الأهم في بناء الديمقراطية والانتقال إلى الدولة المدنية والحريات، وفي تونس يقدم الإسلاميون أرقى أداء سياسي، وتصنع حركة النهضة نموذجا راقيا للحركة الإسلامية المتفتحة، الواعية المستوعبة للتجارب، والمدركة لمقاصد الفعل السياسي، والمتحكمة في أدوات العقل وميكانيك توليد الحداثة من المرجعية، ويعطي الشيخ راشد الغنوشي رصيدا إضافيا للإسلاميين في تغليب صالح البلد على مصلحة الحزب، ويستدعي تجربة الشيخ محفوظ نحناح رحمه الله في التنازل حفاظا على الجمهوريةوفي تونس أيضا يقدم الديمقراطيون صورة إيجابية عن تيار إيجابي لا يغالب المجتمع في قيمه، ولا يزايد عليه بالحداثة، ويسار واع ومتنور، وملتزم مع القضية، معاكس للامبريالية والصهيونية، كرس جزءا من نضاله لدسترة تجريم التطبيع مع الكيان الصهيوني.وفي تونس “يعرف الجيش سابعو”، ظل الجيش بعيدا عن منطق الأبوية التي يفرضها العسكر في الجزائر ومصر لعقود، لذلك لم تجد كتائب النظام السابق، التي كانت قد سعت طويلا للعبث بالتجربة الديمقراطية، نسخة من الجنرال نزار، أو نموذجا للفريق السيسيجزء كبير من مخرج الانتقال الديمقراطي الذي انتهت إليه تونس، هو ثمرة المدرسة ومستويات التعليم الجيدة والتنمية المتصلة بالإنسان، ثمرة حيوية المجتمع المدني، وفعالية النخبة، من حظ تونس أن لم يكن لها وزير كأبو بكر بن بوزيد الذي عمّر وعكّر، و«خلط وجلط” في النظام التربوي، وأنتج جيلا بلا لغة، وبلا هوية، ومن حسن حظها أنه يوجد في كيانها اتحاد الشغل الذي يؤدي دوره برجولة، وشتان بينه وبين عبد المجيد بقايا العمال في الجزائر.تونس هي الرد على من زعموا أن الربيع العربي ذابل الورد، ومؤلم النهايات، وتونس هي التجربة التي تؤكد أن العقل السياسي العربي قادر، رغم كل التناقضات والتداخلات والتدخلات، على خلق تقاطعات للتعايش، ونموذج لصناعة الحياة، بعيدا عن فوضى ما بعد الثورات، وأبعد عن دم “تجار الفتاوى”، صحيح أن الضيق الاقتصادي والشدة الاجتماعية راهنة في تونس، لكن الإبداع التونسي في خلق الثورة من لحظة ظلم، قادر مجددا على الإبداع في لحظة شدة[email protected]

مقال مؤرشف


هذا المقال مؤرشف, يتوجب عليك الإشتراك بخطة الممتاز+ لتتمكن من الإطلاع على المقالات المؤرشفة.

تسجيل الدخول باقة الاشتراكات