نحب الجزائر نحبها في كل الشهور.. كما أحبها أسلافنا في كل العصور..نعم الجزائر في حاجة اليوم للحب، في حاجة للعقل، في حاجة للعلاج من أمراضها المتكاثرة، في حاجة لوثبة إنقاذ وتحرير، في حاجة لتذكّر نوفمبر ومُثل نوفمبر.الجزائر مريضة.. مريضة بسلطتها، مريضة بالفساد وبهيمنة المال على كل شيء، سواء جعله أساس علاقة السلطة بالناس لتجسيد ما أمكن من العدالة الاجتماعية أو رشوتهم وإسكات معارضتهم، أو جعله أداة نفوذ وسلطة أو معول فساد يرهن الدولة والضمائر، ومريضة بغياب السياسة والساسة، مريضة بعجز النخب وهروبها أو إقصائها وتهميشها.الجزائر مرهقة وحكامها واهنون والشعب متعب، ليس فقط من العجز عن التحكم في الأسعار (أو تركها عمدا ترتفع لامتصاص السيولة والتضخم) ولكن متعب من غياب الأمل وغياب من هم قادرون وراغبون في نشر الأمل.الجزائر قلقة، الجزائر خائفة، الجزائر متوجّسة، قلقة على أمنها واستقرارها وخائفة من التلاعب بوحدتها ومتوجّسة من غياب متخذ قرار قادر على اتخاذ القرار الصائب وعلى اتخاذ القرار الذي يؤسس لمعالجة القلق وتجاوز الخوف ودرء التوجس..الجزائر شاحبة، الجزائر باردة، الجزائر كارهة، شاحبة من أمراضها الكثيرة والعويصة، باردة من خوفها أن تكون الأمراض فتاكة، تفتك ببقايا العدل وتفتك ببقايا الخير في السلطة وفي ناس السلطة وببقايا حب الوطن وببقايا نوفمبر، وكارهة لكل هذا الغموض وما يؤشر إليه من الحسابات العويصة أو من الإدارة السياسية السقيمة أو من القدرة الواهنة على الشفافية والوضوح..الجزائر ساهرة، الجزائر حزينة، الجزائر مترقبة، ساهرة لأنها لا تستطيع النوم و”الدخان الأبيض” تعسّر صعوده من مخابر السلطة، وحزينة لأنها ليست مطمئنة أن الإرهاق والوهن السياسي واللاقرار مجرد وعكة عابرة، وهي ترتقب في كل الأحوال القرار، لأنه لا بد من قرار..الجزائر ترتقب أن يمثُل أمامها مرشحون أو مشاريع مرشحين، ترتقب ـ وهي تعرف أنها لن تكون الصوت الفاصل ـ في الاختيار بين بوتفليقة وكل من يترشحون لمنافسته أو لخلافته، ترتقب ولا تملك وسيلة مفاضلة بينهم لأن ساحة التعبير السياسي مكبلة أو مغلقة أو منحرفة، ما زالت “تمنح” أصحاب القرار سلطة القرار ومسؤولية الاختيار، لأنها تعتقد أن “اللي اعْقَدْها بيديه ايْحَلْها بسنِيهْ”..نعرف أن العظماء يقترحون على شعوبهم مصيرا .. ونحن نترقب أن نستشف طريقا، أن نرى نورا، أن نلمح برنامجا سياسيا، أن نلمس أملا، أن نلمس مشروعا معبرا عنه بخطاب سياسي ناضج ومعبرا عنه بكفاءة ومعبرا عنه بإيمان حقيقي وليس فقط بأداء واجب إعلان أي شيء والإيهام بأي شيء..لهذا يا أصحاب القرار(؟!): اجعلوا الجزائر لا تحبل إلا من نوفمبر، اجعلوا الجزائر لا تلد إلا ما يرضي مُثل نوفمبر، اجعلوا الجزائر لا تتوحم إلا حبا للحرية والاستقلال ولا تحبل إلا ديمقراطية وعدالة، اجعلوا الجزائر قادرة على تكبيل الظلم وعلى هزيمة الظالمين والفاسدين وعلى تسليح الناس بسلاح النضال وبحب البلاد وبالحرية وبالقانون..الجزائر حالمة أن من بقي من رجال نوفمبر ما زال فيهم ولو “بقايا!” غيرة على مُثل الثورة، وأنهم يدركون أن الجزائر تعيش المرض والإرهاق النفسي والسياسي والاقتصادي وتعيش القلق على الغد والقلق على الاستقلال والاستقرار وتعيش التوجس من أن الحكم أضاع الحكم وضيّعه(!) وفقد القدرة على اتخاذ القرار..الجزائر حالمة أنهم لن يتركوا البلد ينزلق إلى مزيد من المرض ومزيد من الوهن وأن تنزلق الدولة إلى مزيد من الاستحواذ غير المستحق على الثروة والاستحواذ غير القانوني وغير الأخلاقي على السلطة وعلى الثروة.. وأنهم سيستنفرون كل القوى من أجل أن لا يكتب التاريخ عنهم أنهم تركوا الجزائر فريسة للفساد أو فريسة لمصالح داخلية وخارجية وفريسة الرداءة ومعاكسة ومجافية لمُثل نوفمبر..تلك كلمات يأس أو كلمات أمل لست أدري، ولكنها في كل الأحوال كلمات عفوية وكلمات عاطفة تحمل الكثير من القلق والكثير من الخوف والكثير من الترقب. وقد تكون تلك حال الكثير من الجزائريين.
مقال مؤرشف
هذا المقال مؤرشف, يتوجب عليك الإشتراك بخطة الممتاز+ لتتمكن من الإطلاع على المقالات المؤرشفة.
تسجيل الدخول باقة الاشتراكات