+ -

بعودة الطفل إسلام خوالد إلى أرض الوطن، ظهر أمس، يسدل الستار على معاناة عام كامل، سالت فيها الكثير من الدموع، وأدخلت عائلة كاملة في بحور الحزن العميق. وبفضل صبر الطفل إسلام أولا، ثم شجاعة والديه عز الدين وصفية، تحقق ما كان ينتظره أشقاؤه الذين لم يناموا ليلة أمس وظلوا يسألون وإسلام يجيب عن يوميات أغادير التي تحوّلت بمجرد أن وطأت قدماه مطار هواري بومدين الدولي إلى ذكريات لا تنسى. كانت عقارب الساعة تشير إلى الواحد وثلاثين دقيقة، عندما أعلنت موظفة المطار عن هبوط طائرة الخطوط الملكية المغربية على أرضية المطار. لم تكن الحركة داخل بهو رواق القادمين عادية، تعزيزات أمنية مشددة، رقابة شبه لصيقة بالصحافيين الذين غصب بهم بوابة شرطة الحدود.وهنا تغير كل شيء، إذ رغم تعاون مصالح أمن المطار، إلا أن الحدث كان أقوى، صار التدافع هو سيد الموقف، بمجرد أن أطل أشهر سجين جزائري في سجن مغربي للأطفال، بدا إسلام خائر القوى، نحيفا، شاحب الوجه، مقصر الشعر، يضع نظارة سوداء على عينيه وقبعة على رأسه. ولكي يتفادى أسئلة الصحافيين، استعان بسماعة أذن موصولة بهاتفه المحمول.والده عز الدين لم يكن مصدقا ما شاهده من ازدحام وتدافع، وردا على سؤال لـ”الخبر”: والآن، ما شعورك؟ أجاب بتنهيدته المعتادة: ”الحمد لله انتهت المأساة”، ثم نظر إلى يمينه لابنه إسلام الذي لم يقدر على التعامل مع هذا ”الهجوم” الإعلامي المكثف.ولتفادي أي طارئ أمام هذه الوضعية غير المتوقعة، اضطرت الشرطة لإعادة إسلام ووالده إلى قاعة شرطة الحدود وإخراجه عبر بوابة ثانوية، للانطلاق باتجاه فندق الرايس بتامنفوست أين يوجد مقر اتحادية رياضة الزوارق الشراعية.في اتصال معه، قال محامي العائلة، الأستاذ خالد سلام، إنهم سينزلون ضيوفا على رئيس الاتحادية (التي تخلت عنه هناك وسمحت بإلصاق تهمة برأته منها تقارير الطب الشرعي وحسن السيرة بالسجن). وبعد مأدبة الغداء والاستراحة بالفندق، سيمكن لإسلام رؤية والدته وجديه وأقربائه وجيرانه لأول مرة منذ 11 شهرا.ومثلما صنع الحدث طيلة عام 2013، كانت لعودته أيضا الكلمة الأخيرة في بداية العام الجديد، حيث شد إليه انتباه المسافرين، جزائريين وأجانب، بل إن هناك من أصر على عدم مغادرة المطار دون مشاهدة هذا ”النجم” الذي حشد كل هذه الكاميرات والصحافيين.. والعشرات من رجال الأمن بالزي الرسمي والمدني.إسلام كان معتقلا في المغربوفي أول رد فعل لها، أعربت وزارة الخارجية، أمس، عن ارتياحها لعودة الرياضي خوالد إسلام الذي أفرج عنه الجمعة الفارط بعد 11 شهرا من الاعتقال بأغادير في المغرب.وقال عمار بلاني الناطق باسم وزارة الخارجية في بيان له: ”نعرب عن ارتياحنا لعودة مواطننا إسلام خوالد إلى أرض الوطن، وبهذه المناسبة نشيد بما تحلى به من صبر وشجاعة طوال المحنة الصعبة التي عاشها في هذا البلد المجاور”.وذكر بلاني بأن ”الحكومة الجزائرية قد أعربت عن أسفها الشديد للحكم القاسي الصادر عن المحكمة الابتدائية بأغادير في 19 مارس 2013، في حين أن عناصر الملف وغياب بيان التأسيس ووصف الوقائع المنسوبة إليه كانت تفترض الإفراج عنه”.وأضاف إن ”جهودا حثيثة بذلت من أجل إيجاد نهاية سعيدة لهذه القضية الأليمة، لكن الحكم كان مبالغا فيه، وقضى إسلام خوالد عقوبة سلطت عليه ظلما وهو ما يحمل بطبيعة الحال عددا من الملاحظين على التشكيك في عدالة هذه المحاكمة”. مقعد بالثانوية الرياضية بالدرارية لإسلام كشف عز الدين خوالد لـ”الخبر” فور وصوله إلى الجزائر، أن وزارة الشبيبة والرياضة تعهدت له بضمان التكفل بمستقبل إسلام الدراسي، بحجز مقعد له بالثانوية الرياضية في درارية، وقال إن الخبر أسعده كثيرا وأعاد البسمة لابنه.ارتمى في أحضان والدته بعد غياب طويلإسلام يقضي ليلته الأولى في فراشه بعد وجبة عشاء ساخنة تخلى حي خايطي احمد باسطاولي عن هدوئه المعهود، كيف لا وجميع سكانه كانوا قد استعدوا لمشاركة عائلة خوالد فرحة استقبال ابنها إسلام، الذي رجع أمس إلى أرض الوطن بعد قضائه لمدة 11 شهرا بسجن أغادير المغربية.وصلنا إلى منزل عائلة خوالد في حدود منتصف النهار، وتزامن وصولنا مع وصول السيدة بديعة جارتهم بالحي وهي محملة بالورود وصينية حلوي ”الڤريوش” التي حضّرتها للمناسبة، لتعبّر لنا عن فرحتها العارمة بوصول إسلام إلى أرض الوطن.. وهي التي قاسمت العائلة محنتها قلبا وقالبا، خاصة وأن ابنها المدعو إسلام هو الآخر صديق حميم لإسلام خوالد، ويقاسمه نفس الطاولة بقسمه الدراسي.. ولعلّ قراء ”الخبر” يتذكّرون صورة ذلك التلميذ التي نشرتها، وكان يبكي مرددا ”لا طعم للدراسة بدون إسلام”.اليوم ”شربة ومثوم” و”الرشتة” يوم الجمعةدخلنا منزل عائلة خوالد رفقة السيدة بديعة التي طالبت أهل البيت بالزغاريد مرددة ”أنا ما نعرفش نولول”، وكانت رائحة ”الشربة” و”المثوم” تنتشر بين أرجاء ذلك البيت الذي بدا لنا مختلفا تماما عن المرّات السابقة التي زرناه فيها، حيث حلّت الفرحة التي لاحظناها على محيا ”صفية” والدة إسلام وكذا جدّته الحاجة ”زهوة” وخالته مهدية وعدد من الجارات.. مكان الحزن الذي سكنه من قبل.. كما زينت مائدة قاعة الجلوس بمختلف أنواع الحلويات التي حضّرت للمناسبة في انتظار طبق ”الرشتة” يوم ”الوعدة” التي ستقيمها السيدة صفية ”يوم الجمعة تبرّكا بعودة لعزيز” الذي يعشق أكلها وكذا أكل ”شربة الفريك” التي طلبها منها حينما كانت بالمغرب، لكنّ عدم توفّر ”الفريك” هنالك حرمه من أكلها.”راني مقلقة”كانت العبارة التي رددتها السيدة صفية ونحن نسألها عن شعورها وهي تنتظر بين الفينة والأخرى دخول صغيرها عليها، والذي لم تره منذ 8 سبتمبر من سنة 2013... لتضيف قائلة ”صدقيني لم يغمض لي جفن ليلة البارحة.. وكنت أترقّب بزوغ شمس هذا اليوم لأرى فلذة كبدي الذي طالما خفت أن لا يرجع لأحضاني...”. كما أسرت لنا الحاجة زهوة، جدّة إسلام، بما يختلج بقلبها تجاه حفيدها المفضّل الذي ذرفت من أجل دموعا كثيرة، لتقول ”توحشتو بزّاف” بلكنة قبائلية، وهي التي قدمت منذ يومين من مدينة بجاية ولتقاسم ابنتها فرحة العودة.إسلام مشتاق إلى فراشهوبغرفة النوم التي يتقاسمها مع أخويه، حرصت أم إسلام أن تضع له غطاءه الصوفي المفضّل الذي طلبه حتى وهو بأرض الغربة.. كما حضرّت له سريره الذي طالما حلم بالاسترخاء عليه عوض فراش غرفة السجن التعيسة..تركنا أسرة إسلام تنتظر وصول ابنها على أحر من الجمر وسط جو عائلي حميمي، خاصة وأن الفرحة اكتملت بوصول جدة إسلام لأبيه التي قدمت من عين عبّاسة بولاية سطيف رفقة عمه وزوجته، حيث فضلت الجدة أن تكون حاضرة لدى وصول حفيدها من غربته رغم المتاعب الصحية التي كانت تعاني منها، خاصة وأنها خضعت منذ أيام فقط لعملية جراحية على العين.فلاش باك- 11 فيفري 2013، إسلام خوالد (15 سنة) يعتقل.- 19 مارس محكمة أغادير الابتدائية تدين إسلام بتهمة ”الاعتداء الجنسي على قاصر” وأصدرت في حقه عقوبة سنة سجنا نافذا وغرامة قدرها 40.000 درهم على سبيل التعويض.- الغرفة الجنائية لمحكمة الاستئناف تؤيد الحكم في 6 ماي 2013.- السلطات الجزائرية تعبّر عن أسفها ”الشديد” للقرار، الذي بني على ضعف القرائن والأدلة. ورغم أن غياب بيان التأسيس ووصف الوقائع المنسوبة إليه، كانت تفترض الإفراج عنه.- 3 جانفي 2014، السلطات المغربية تفرج عن إسلام.-  8 جانفي، إسلام يعود إلى الجزائر بعد 11 شهرا من الاعتقال.

مقال مؤرشف


هذا المقال مؤرشف, يتوجب عليك الإشتراك بخطة الممتاز+ لتتمكن من الإطلاع على المقالات المؤرشفة.

تسجيل الدخول باقة الاشتراكات
كلمات دلالية: