تحدّثنا في الأسبوع الماضي عن المسؤولية بشكل عام، واليوم نتحدّث عن نظافة المحيط وأنّها مسؤولية الجميع.. فعلى كلّ واحد منّا تقع مسؤولية المحافظة على بيئة صحية نظيفة، وعلى محيط جميل وبديع يسرّ النّاظرين ويأخذ بالألباب.كلّ منّا يتأسّف لمّا يسافر للخارج كيف يجد دول العالم المختلفة تنعم بالنّظافة والجمال، بينما بلادنا، مدننا وقرانا ترزح في الطين والوحل والأوساخ.. فمن يحصل التّقصير وعلى مَن تقع المسؤولية؟إنّ مناظر القمامة ومختلف أنواع الفضلات من بقايا الأكل والعلب والصحون والقوارير البلاستيكية والأكواب الورقية المستخدمة وأعقاب السجائر وغيرها الّتي تملأ شوارعنا -مع الأسف- في منظر غير حضاري ولا يمت للبيئة النّظيفة بصلة.. غابات ومنتزهات كثيرة في بلادنا الواسعة أصبحت مرتعًا لرمي الأوساخ والقاذورات بشتى أنواعها، حتّى بقايا الحيوانات واللحوم الفاسدة ممّا يهدّد البيئة والصحة العامة.. كما أنّنا نغرق في النفايات، رغم تسخير كلّ الإمكانيات المادية والبشرية لمعالجة الوضع البيئي والمحافظة على المحيط النظيف.وممّا يحزّ في النّفس أنّ كثير من الأماكن الّتي أصبحت مكبًّا للنفايات يمرّ بجانبها المسؤول البلدي والولائي ويشاهدها الشرطي وضابط الأمن والأستاذ الجامعي والمدير والمدرّس والمواطن العادي، الكبير والصغير، ولا يغيّرون هذا الوباء الخطير الّذي يتهدّد الجميع صحيًا وبيئيًا..إنّ غياب الشّعور بالمسؤولية تجاه البيئة أصبح أمرًا عاديًا بالنسبة للجميع، على الرّغم من أنّ البيئة بما فيها من موارد متنوّعة، كانت في حالة توازنٍ طبيعي يُمكِّنُها من الوفاء بمطالب الإنسان وإمداده باحتياجاته اللازمة لاستمرار حياته وحياة الكائنات الحيّة الأخرى، إلّا أنّ تصرّفات الإنسان غير المسؤولة مع ما يُحيط به من كائناتٍ ومكوّنات وعناصر البيئة قد أخلَّ كثيرًا بتوازن النّظام البيئي، وترتّب على ذلك حصول عدد من المشكلات البيئية الّتي كان لها أثرٌ واضحٌ في تدهور البيئة.لقد خلق الله سبحانه وتعالى الإنسان وكرّمه بين جميع المخلوقات بأن سخّر له ما في الكون، وما في الأرض جميعًا وذلّلها له وهيّأها بكلّ السُّبل ليستطيع الإنسان العيش عليها دون مشقّة ودون عقبات، قال تعالى: «هُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمْ الْأَرْضَ ذَلُولًا فَامْشُوا فِي مَنَاكِبِهَا وَكُلُوا مِنْ رِزْقِهِ وَإِلَيْهِ تُحْشَرُونَ». وهذه نعمة كبرى يجب المحافظة عليها بكافة السُّبل والبُعد عن الفساد والإفساد وعدم تلويث البيئة، سواء كان هذا التلوث في البرّ أو البحر.لقد اهتمّ ديننا الإسلامي بالنّظافة الفردية لكلّ مسلم، وبالنّظافة العامة في البيئة والمجتمع، ودعا النّاس إلى الالتزام بالطّهارة، وإزالة الأقذار، والعناية بكلّ مكان ينزل به الإنسان، حيث بُنيَ الدِّين على النّظافة الباطنية والظاهرية، وهو منسجم مع مفهوم الطّهارة، فقد كان من أوائل ما نزل من القرآن، قال تعالى: «وَثِيَابَكَ فَطَهِّر»، بعد أن قال: «وَرَبَّكَ فَكَبِّرْ»، فقرن التّوحيد بنظافة الثّوب ولا صارف للفظ عن ظاهره. قال تعالى: «إِنَّ اللهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ».كما بيّن النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم أنّ من مبادئ الإسلام النّظافة، حيث حثّنا على نظافة الطريق وجعل ذلك من شعب وخصائل الإيمان، وجعل إماطة الأذى عن الطريق من الصّدقات، فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «وتميط الأذى عن الطريق صدقة».والإسلام جعل الطّهارة ركنًا أساسيًا وضرورة وقيمة حضارية للتقدّم والتحضّر البشري والعمراني، فاليهود مثلًا لم يكونوا ينظّفون آنيتهم وأوعيتهم، بينما علّم النّبيّ الكريم أصحابه تنظيف ذلك وحثّ عليهم، حيث قال صلّى الله عليه وسلّم: «نظّفوا أفنيتكم ولا تشبّهوا بيهود».واعتبر الإسلام النّظافة والطّهارة فريضة شرعية وسبيلًا للوقاية من الأمراض، وسببًا للمغفرة وتحصيل محبّة الله تعالى، وشدّد على أنّها جزء لا يتجزّأ من حياة المسلم وطابع لا غنى له عنه، حتّى جعل نظافة البدن والملبس والبيئة مصاحبة ومرتبطة وملازمة للعناية بطهارة النّفوس، وإصلاح المعتقد وسلامة الباطن.إنّ قيمة النّظافة من أهم القيم الإسلامية، والإسلام ينظر إليها على أنّها جزء لا يتجزّأ من الإيمان، وليعلم كلّ واحد منّا أنّه مسؤول عن هذه القضية الحسّاسة يُثاب فاعلها ويأثم تاركها، فعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «الإِيمَانُ بِضْعٌ وَسَبْعُونَ -أَوْ: بِضْعٌ وَسِتُّونَ- شُعْبَةً، فَأَفْضَلُهَا قَوْلُ لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ، وَأَدْنَاهَا إِمَاطَةُ الْأَذَى عَنِ الطَّرِيقِ، وَالْحَيَاءُ شُعْبَةٌ مِنَ الْإِيمَانِ».إنّ التزام نظافة البيئة واجب شرعي ومطلب وطني، وهي من الأمور الّتي حرص عليها الرّسول صلّى الله عليه وسلّم وأوصى بها، ولذلك تقع على عاتق الوالدين مسؤولية كبرى في نشر هذا الوعي بالقدوة والتّربية الجادة، فالتزام الوالدين هذا السّلوك في حياتهما يؤثّر إيجابًا في اكتسابه من قبل الأبناء، وكذلك توجيه الوالدين أبناءهما بالتّرغيب تارة والتّوبيخ تارة أخرى، وربط سلوكهم وأخلاقهم بسيرة النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم، يغرس في نفوسهم هذا الوعي، ومتى ما أدرك الابن أهمية الوعي البيئي سيصبح سجية في حياته وينقلها كخبرة لغيره حتّى يتناقل هذا الوعي الجميل من جيل إلى جيل.وللإعلام بكلّ قنواته دور فعّال ومؤثّر في نشر الوعي البيئي، ولا يقف عمله عند حدّ التّوجيه والإرشاد، بل إلى ما هو أكبر من خلال تنظيم النّدوات وبثّ التقارير، إضافة إلى نشر المفارقات بين بيئة وأخرى وجعل المجتمع في تنافس من أجل حماية البيئة، وفضح العابثين بالبيئة سعيًا لينالوا العقاب الّذي يتناسب مع سوء تصرّفهم. ويجب أن تتظافر الجهود من جميع أفراد المجتمع ومؤسساته في المحافظة على البيئة بمختلف مكوناتها من موارد طبيعية وأحياء فطرية.. كي نعيش حياة هنيئة سليمة.
مقال مؤرشف
هذا المقال مؤرشف, يتوجب عليك الإشتراك بخطة الممتاز+ لتتمكن من الإطلاع على المقالات المؤرشفة.
تسجيل الدخول باقة الاشتراكات