إنّ البيت السّعيد والمسكن الهنيء، ليس تلك الجدران العالية والفرش المرفوعة والأثاث الفاخر والغرف الواسعة، وإنّ هذه الأشياء المادية لا تحقّق السّعادة لساكنيها وحدها، ولا ترفع عنهم الوحشة ولا تجلب لهم السّكينة والطمأنينة.فالبيت له مقدّرات كثيرة تحقّق لأهله السّعادة والسّكينة، وعلى رأسها طاعة الله، قال النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم: “أَيُّمَا أَهْلِ بَيْتٍ مِنَ الْعَرَبِ أَوِ الْعَجَمِ أَرَادَ اللهُ بِهِمْ خَيْرًا أَدْخَلَ عَلَيْهِمُ الإِسْلامَ” رواه أحمد في المسند.والبيت الّذي دخله الدّين وسارت في رحابه الطّاعات بيت أراد الله بأهله خيرًا، وقال صلّى الله عليه وسلّم: “إِذَا أَرَادَ اللهُ بِأَهْلِ بَيْتٍ خَيْرًا أَدْخَلَ عَلَيْهِمُ الرِّفْقُ” رواه أحمد في المسند. فجعل النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم دخول خُلُق الرّفق إلى البيت سببا من أسباب سعادة أهله.وجعل النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم البيت الّذي لا يقرأ فيه القرآن أشبه بالمقبرة، فعن أبي هريرة رضي الله عنه؛ أنَّ رسولَ الله صلّى الله عليه وسلّم قالَ: “لا تَجْعَلُوا بُيُوتَكُمْ مَقابِرَ، إنَّ الشَّيْطَانَ يَنْفِرُ مِنَ البَيْتِ الَّذِي تُقْرَأُ فيهِ سُورَةُ البَقَرَةِ” رواه مسلم. وتأمّل أخي القارئ كيف جعل النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم البيت الّذي لا يُقرأ فيه القرآن ولا يُطاع فيه الرّحمن مأوى للشّياطين، ويكون أصحابه كالموتى في المقابر. وقال صلّى الله عليه وسلّم: “مَثَلُ البَيْتِ الَّذِي يُذْكَرُ اللهُ فِيهِ، والبَيْتِ لا يُذْكَرُ اللهُ فِيهِ، مَثَلُ الحَيِّ والميِّتِ”، وأيّ مصيبة أعظم من أن يكون أهل البيت موتى وهم لا يشعرون.فحياة البيت هي الحياة الّتي تملأ قلوب أهله بالإيمان، وجوارحهم بالطّاعة والإحسان، وألسنتهم بذِكْر الله الملك الديّان.وتأمّل أيّها القارئ الكريم في قول الله عزّ وجلّ: {وَأَوْحَيْنَا إِلَى مُوسَى وَأَخِيهِ أَنْ تَبَوَّأَا لِقَوْمِكُمَا بِمِصْرَ بُيُوتًا وَاجْعَلُوا بُيُوتَكُمْ قِبْلَةً وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ}، وفي الآية أقوال عدّة ومنها: “واجعلوها مساجدَ تصلُّون فيها”.والخلاصة أنّ البيت لا بدّ أن يكون له قسط من الطّاعات تؤدّى فيه، بل يكون أداؤها فيه أفضل من فعلها خارجها حتّى المساجد، ومن هذه العبادات “الصّلاة النّافلة”.الأفضل أن يجعل المرء من صلاته في بيته، وذلك في جميع النّوافل؛ لقوله صلّى الله عليه وسلّم: “صَلُّوا أيّها النّاس في بيوتكم، فإنّ أفضل الصّلاة صلاة المرء في بيته إلّا المكتوبة” رواه البخاري ومسلم.وعن الرّواتب، ما رواه عبد الله بن شقيق قال: سألتُ عائشة عن صلاة رسول الله صلّى الله عليه وسلّم عن تطوّعه، فقالت: “كان يُصلّي في بيتي قبل الظهر أربعًا، ثمّ يخرج فيُصلّي بالنّاس ثمّ يدخل فيُصلّي ركعتين، وكان يُصلّي بالنّاس المغرب ثمّ يدخل فيُصلّي ركعتين، ويُصلّي بالنّاس العشاء ويدخل بيتي فيُصلي ركعتين، وكان يُصلّي من اللّيل تسع ركعات فيهنّ الوتر، وكان يُصلّي ليلًا طويلًا قائمًا وليلًا طويلًا قاعدًا، وكان إذا قرأ وهو قائم ركع وسجد وهو قائم، وإذا قرأ قاعدًا ركع وسجد وهو قاعد، وكان إذا طلع الفجر صلّى ركعتين” رواه مسلم. وقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: “إذا قضى أحدُكم الصّلاة في مسجده فليَجعل لبيته نصيبًا من صلاته، فإنّ الله جاعل في بيته من صلاته خيرًا” رواه مسلم.
إمام وأستاذ ، عضو اللجنة الوزارية للفتوى
مقال مؤرشف
هذا المقال مؤرشف, يتوجب عليك الإشتراك بخطة الممتاز+ لتتمكن من الإطلاع على المقالات المؤرشفة.
تسجيل الدخول باقة الاشتراكات