كيف قرأت المعارضة عدم تمرير التعديل الدستوري في مجلس الوزراء ؟ وهل أنهى ذلك الحديث لدى أحزاب الموالاة عن العهدة الرابعة؟ تباينت المواقف والتحاليل وسط الطبقة السياسية بين من يرى أن في ذلك دليل على عدم قدرة بوتفليقة الاستمرار في الحكم، وبين من فضّل الترقب والانتظار والإبقاء على حالة “سوسبانس”، بالنظر لعدم وجود علاقة مباشرة بين ملف الدستور وبين العهدة الرابعة، باستثناء مقترح إنشاء منصب نائب الرئيس. في داخل أحزاب الموالاة ألقت الكرة إلى ساحة الرئيس بوتفليقة للإعلان عن رغبته من عدمها، ولكن منذ مقولة “طاب جنانو” لم يتفوّه الرئيس من يومها بكلمة وترك المجالطيلة عام ونصف لـ “الألغاز”.الخصوم طالبوه بتأجيله إلى ما بعد الرئاسياتهشاشة صحة بوتفليقة تمنعه من تعديل الدستور عندما جدد الرئيس عبد العزيز بوتفليقة، في خطاب 15 أفريل 2011، عزمه على تعديل الدستور لم يأخذ في الحسبان الهشاشة التي تميز صحته منذ 2005. ولما ازدادت حالته سوء بعد الإصابة بالجلطة الدماغية، اتضح أنه عاجز عن بلورة الأفكار التي يريد تضمينها في الوثيقة التي يحلم بها منذ وصوله إلى الحكم.ولكن التخلي عن فكرة التعديل الدستوري، مجبرا، لا تمنع احتمال أخذ بوتفليقة بإرادة قطاع واسع من الطبقة السياسية بأن لا جدوى من تحوير القانون الأعلى قبيل الرئاسيات. واتفقت معظم الأحزاب خاصة التي دعت بوتفليقة إلى الاكتفاء بثلاث عهدات، على “الانحراف” الذي وقع في مسعى الإصلاحات التي تعهّد بها الرئيس. فقد كان يفترض، حسبها، أن يبدأ الرئيس بتعديل الدستور لا بمراجعة القوانين واستحداث أخرى، لأن الدستور هو الأرضية وأي إصلاح سياسي جاد يفترض أن يبدأ من الأرضية أما ما حدث فهو العكس.وفيما دعا البعض إلى التخلي نهائيا عن مشروع تعديل الدستور، قال البعض الآخر بضرورة تأجيله إلى ما بعد الاستحقاق الرئاسي. ولكن لا شيء يضمن بأن الدستور سيخضع للتعديل على يدي بوتفليقة بعد الانتخابات، إذا أخذت في الحسبان المشاهد التي ظهر عليها في آخر مجلس للوزراء. فهو مريض ولا يقوى على الترشح لعهدة رابعة. ولهذا يحتمل أن يأتي الرئيس الذي سيخلفه بدستور يكون عاكسا لـ”التوافق” بين القوى النافذة في البلاد. وفي كل الأحوال، أثبت النظام منذ 1962 عجزه عن إيجاد دستور يحدث التوازن بين المؤسسات والهيئات، وأبلغ دليل على ذلك أن كل رئيس كان له دستوره الخاص.غير أن الشيء الذي ميَز بوتفليقة عن بقية الرؤساء، أنه لم يضع دستوره الخاص به رغم أنه قضى أطول فترة في الحكم ومنح لنفسه أوسع الصلاحيات والسلطات قياسا بسابقيه، بمن فيهم الشخص الذي خرج من عباءته، هواري بومدين. فما الذي منع بوتفليقة قبل تردي حالته الصحية نهاية 2005 عن وضع الدستور الذي يريد؟ ولماذا لم يسمعه الجزائريون يشرح أفكاره بخصوص النص الذي يرغب به؟ ما السرّ في إطلاق الوعود عدة مرات بأنه سيتوجه إلى تعديل عميق، دون أن يجسدها؟ هل واجه بوتفليقة معارضة في النظام حالت دون تحقيق مسعاه؟ومع أن الرئيس لم يبح أبدا بما يدور في خلده بخصوص هذا الموضوع، فإن اللغز الذي لفّ آخر وعد بتعديل الدستور تمثل فيما إذا سيكون جوهريا، وهل سيمس من جديد المادة 74؟ وهل كان سيزيد من التوسيع من صلاحيات رئيس السلطة التنفيذية، أم في سلطات البرلمان وبقية مؤسسات الرقابة؟ هل كان سيعطي فسحة لهوامش ممارسة الديمقراطية والحريات والحقوق، أم سيكرّس هيمنة الجهاز التنفيذي ويزيد من ضعف وهوان المجالس المنتخبة؟ لا أحد يدري إن كان بوتفليقة يعلم بأن المبدأ في تعديل الدستور أيا كان البلد، هو تمكين المواطن من ممارسة المزيد من الحقوق والحصول على المزيد من الحريات، لا أن يعزز من سلطات السلطان.كان متوقعا استحداث منصب نائب الرئيس في تعديل الدستورمساحة الترشح لعهدة رابعة للرئيس تضيق سقطت “العهدة الرابعة” من أحلام الداعين إليها، بمجرد ما اجتمع الرئيس بوتفليقة بالوزراء، دون جدولة التعديل الدستوري. لحد الآن، أقرب المقربين من الرئيس ومن السياسيين و”الأقارب” لا يعرفون ما يجول في خاطر بوتفليقة فيما يتعلق بالتعديل الدستوري الموعود، ثم موقفه وموقعه من الاستحقاق الرئاسي المقبل، لكن من ربط “استغناء” مجلس الوزراء على جدولة تعديل الدستور، في اجتماعه الأخير، بالعهدة الرابعة للرئيس بوتفليقة، رسى على موقف لم يلغ فيه إمكانية ترشح الرئيس لانتخابات أفريل المقبل، ولكنه أزاح إمكانية قيام بوتفليقة بذلك، بنسبة كبيرة، إذا ما كان تعديل الدستور يرتبط في علاقته بالعهدة الرابعة، باستحداث منصب نائب رئيس الجمهورية، يتولى صلاحياته، في حال حدوث طارئ أو عائق يحول دون تمكن بوتفليقة من ممارسة صلاحياته الدستورية. أما والسلطة لم تعتزم القيام بالتعديل، فذلك، من جملة ما يعنيه، أن مساحة الترشح لعهدة رابعة للرئيس، صارت ضيقة، ضيق الفترة التي تسبق تنظيم الموعد الرئاسي، طالما أن ترشحه مرتبط لدى من يدفع به إلى الاستمرار في الحكم، بدسترة من ينوب عنه في إدارة الحكم أو يعوضه في منصبه في حال حدوث طارئ وهو منصب “نائب الرئيس”. ورغم أن القراءة الأولية لتأجيل تعديل الدستور كادت تنحصر في عدم الذهاب إلى “التربيع”، أكثر من كونها مؤشر عن استجابة الرئيس لمطلب حزبي بتأجيل تعديل الدستور إلى ما بعد الرئاسيات، مثلما طالبت به الأمينة العامة لحزب العمال لويزة حنون، ومجموعة الـ 20 المعارضة وفعاليات سياسية أخرى، إلا أن التصاق التخمينات كلها- إلى حد رهن مرشحون مفترضون ترشحهم، بما سيقرره بوتفليقة، في الترشح من عدمه- بالعهدة الرابعة، ثم تحييد تعديل الدستور، أفقد الموالون للرئيس بوصلة التحكم وأخلط عليهم الفهم، في أي شاطئ يريد بوتفليقة إرساء سفينته، بينما يبحث أكثرهم على احتمال وجود جهات داخل النظام تدفع إلى هندسة هندام مرشح بديل لبوتفليقة، حتى تؤيده وتدعمه وتخاطب وده.لكن ومقابل ذلك، وبالنسبة لسلطة أفقدت المتتبعين القدرة على التنبؤ بقراراتها، ليس عصي عليها هندسة أي من السيناريوهات الملائمة في الانتخابات الرئاسية، حتى وإن قدمت الرئيس بوتفليقة مرشحا للنظام دون إسناد “نائب الرئيس”. وكانت الطبقة السياسية تنتظر استجلاء ولو جزء من حقيقة ما تريده السلطة، من خلال اجتماع مجلس الوزراء، لكن، الغموض غطى على آمالها، وهو ذاك الغموض الذي أفقد العهدة الرابعة أنصار جدد، بينما قدامى الداعين إليها، خاصة من أحزاب الموالاة، صاروا يتخبطون بعد أشهر معدودات من نشوة كانت نتاج تحليل مغلوط للطبقة السياسية لما قام به الرئيس على مؤسسة الجيش والمخابرات، على أنه يعمل على تهيئة نفسه للعهدة الرابعة، ليتضح بعد ذلك أنها كانت مجرد تبديلات في مناصب تماشيا مع متطلبات المرحلة وبالتوافق مع المؤسسة العسكرية، إجراءات لم تكن ذات علاقة وطيدة بالانتخابات الرئاسية.موسى تواتي رئيس الجبهة الوطنية الجزائرية لـ”الخبر”“تراجع الرئيس عن الترشح أسهم في إلغاء تعديل الدستور”كيف قرأت عدم تمرير تعديل الدستور في مجلس الوزراء الأخير؟ أعتقد أن السلطة اكتشفت أن الخوض في تعديل دستوري في هذا التوقيت سيعطّل الأمور أكثر في البلاد أكثر مما يخدمها، هناك خلاف بين كتلتين خاضعتين لخندق واحد حاليا تتصارعان مصير البلاد، و الخندق الذي يجمعهما هو المال، وكلاهما رأى أن أي تعديل قد يمس بتوجّهات الجزائريين والطابع الاشتراكي في المعيشة قد يخلق ردات فعل عنيفة وغير متوقعة وعلى نطاق غير معروف، لذلك فضلت الكتلتان الحفاظ على الحصص المالية التي يستفيدان منها بدل المغامرة بها وقدرها أكثر من 200 مليار دولار يتلاعب بها نحو 36 ألف جزائري فقط من بين 40 مليونا.لكن الأمور كانت تبدو ظاهريا سالكة أمام الرئيس بوتفليقة لتمرير ما شاء من تعديلات؟ نعم الأمور ظاهرية فقط، الصراع هو كيف تنتقل السلطة الثورية والوطنية إلى المالية، لذلك كان من الخطر مناقشة انتقال دستوري بين هاتين المحطتين في الظرف الراهن، هناك كتلة وليدة فترة التسعينيات تشكل العسكر وأخرى تشكلت مع بوتفليقة وبقيادته وتمثّل المال، بمقابل عزوف كامل من الجزائريين عن مناقشة ملفات السلطة بما فيها مشروع الدستور الذي كان مطروحا للتعديل، الجزائريون لم يستشروهم لا في التعديل الماضي ولا المقبل، وأظن أن الذي تراجع عن المشروع ليس الرئيس وإنما مجموعته، فهو القائل يوما ما “طاب جناني”.برأيك أليست صحة الرئيس بوتفليقة من منعته من تعديل دستوري أم أنه استجاب لضغوط المعارضة الرافضة لدستور قبل الرئاسيات مباشرة؟ صحيح أن فكرته في تعديل الدستور كانت تتوقع أن تكون جميع الظروف مواتية، وأنه كان يحاول تمثيل التعديل الدستوري على أنه حامل لانفراج في الأوضاع من خلال التشريع، لكني أعود وأجدّد أن بوتفليقة بقي رهينة بين الكتلتين، ويمكن الآن تسمية واحدة بكتلة عبد المؤمن خليفة والثانية كتلة شكيب خليل، مع أنهما معا ساهما في الخرق الدستوري الكبير عام 2008 لمّا عدل الدستور بطريقة صورية مضحكة ندفع ثمنها إلى الآن، ولا أظن بتاتا أن الرئيس قد استجاب لمطالب المعارضة رغم أن السلطة قد تكون أخذت برأيها كنوع من سبر الآراء، في الأخير المجموعة الحاكمة تراجعت عن التعديل للحفاظ على شعرة معاوية بعدما أيقنت أنها أمام احتمال انتفاضة، كما أن تراجع مشروع الرئيس عن الترشح له أسهم في صناعة إلغاء محطة الدستور وما يهمهم الآن هو الخروج الآمن من السلطة.وزير الإتصال والثقافة الأسبق عبد العزيز رحابي لـ “الخبر”الدستور في ذهن بوتفليقة آلية للحكم وإلغاؤه يعني إلغاء الرابعةما هي قراءتك في غياب ملف تعديل الدستور عن أخر مجلس وزراء ترأسه الرئيس عبد العزيز بوتفليقة في 2013 ؟ أولا الدستور في ذهن الرئيس والمقربين منه هو آلية من آليات البقاء في السلطة، فهو في نظرهم ليس قانونا ينظم علاقة السلطات ببعضها ويحدد معالم الحريات الفردية والجماعية، لأنه في قراءة الزعماء في الدول المتخلفة، الدستور آلية للبقاء في السلطة، فعندما قام بتغيير دستور الرئيس السابق ليامين زروال عام 2008 تأكدت هذه القراءة بما أنه جعل التعديل أداة للاستمرار عهدة ثالثة، مرسيا ثقافة الرئاسة مدى الحياة ومن يومها ركبنا عجلة ضد التاريخ. ففي 1996 كنا أول بلد عربي يقنن عدد العهدات الرئاسية وللأسف في 2014 أصبحنا الجمهورية الوحيدة التي تفتح العهدات، فالثقافة السائدة عند الرئيس أنه ما دام لا يوجد حزب كبير يحكم به أو برنامج حقيقي يطلقه، فإنه يمارس الحكم بالدستور .قراءتك تربط بين الدستور والبقاء في السلطة، هل يعني أن تخلي بوتفليقة عن التعديل يعني تخليه عن عهدة رابعة؟ ليست الرغبة من يغيب بل القدرة، الرئيس وجد نفسه ضعيف سياسيا بما أن الحزب الكبير الوحيد الذي يدعمه يعاني انقساما عميقا، إنسانيا أيضا ضعيف بسبب تداعيات المرض، مع أن المتوقع كان أن يتم الترويج لعهدة رابعة، فلأجلها نظم خروج أحمد أويحيى من التجمع الوطني الديمقراطي، ثم أرسل عبد العزيز بلخادم على التقاعد السياسي باكرا وجرّده من قيادة جبهة التحرير الوطني، وأغلق منافذ العمل السياسي وفرض ضبابية على المعارضة وقام بكراء السلم الاجتماعي وليس شراءه، كما يقال، لكنه في النهاية لم يعد قادرا على الاستمرار في الحكم، ولو كان العكس فأبدا لن يترك تعديل الدستور يمر هكذا حيث كان مبرمجا أن يعدل شهر أكتوبر أو نوفمبر الماضي وبقيت الزمرة المحيطة بالرئيس على أمل للتعديل إلى غاية الأسبوع الماضي لأن الوقت يخدم في غير صالحهم ورزنامة الانتخابات بقي لها في حدود عشرة أيام.ما الذي تتصوره من سيناريوهات إذا في الأيام المقبلة ما دامت ورقة الدستور والرابعة قد ألغيت كما تذكر؟ ابتداء من هذا الأسبوع سنبدأ في قياس نبض السلطة إذا كانت هناك نية للانقلاب على الدستور، بمعنى هل يستدعي الهيئة الناخبة في الآجال المحددة أم لا، هذا السيناريو يخيف ما دامت هناك زمرة محيطة بالرئيس تخشى فقدان الحصانة وفقدان النفوذ، لكن الملاحظ أن الزمرة التي حكم بها بوتفليقة البلاد مدة 14 عاما تم ضمان خروج آمن لها، أين شكيب خليل وزرهوني وتمار وولد قابلية وغيرهم، من بقي هي جماعة مصالح وكفى.
مقال مؤرشف
هذا المقال مؤرشف, يتوجب عليك الإشتراك بخطة الممتاز+ لتتمكن من الإطلاع على المقالات المؤرشفة.
تسجيل الدخول باقة الاشتراكات